السبت، 13 ديسمبر 2008

ضيعوا علينا صيام عرفة!


أما بعد،،
فقد رأيت فيما يرى النائم أنني تعلقت بحافة السماء وكان الناس يفتحون عيونهم باتساع بحثا عني، ولكن قد غم عليهم فأعلن المختصون تمام الشهر، وبأن العيد لن يكون في اليوم ذاته الذي أعلنته جزر الواق واق!
وبينما أنا كذلك إذ بي أسمع لغطا عاليا، وكأنما أحدهم ارتكب جريمة بشعة بحق الناس، وعندما اقتربت قالوا لي بأنهم يخالفون العالم ولا يريدون لنا أن نصوم عرفة! فتذكرت ساعتها أن أمل عرفة لم تظهر في أعمال فنية جديدة في رمضان، ومن أفطر فعليه قضاء ما فات! ثم تساءلت: ليس الشهر شهر صيام فعن أي صوم يتحدثون ويحتجون؟! وقبل أن أنطق بذلك قال أحدهم: يا أخي يوم عرفة من الأيام التي يؤجر فيها المسلم بصومه وعبادته! إنه عرفات يا ناس، لماذا يحرموننا الصوم في يومه؟! غير إني أذكر أن عرفات مات في باريس، ومازال الكلام كثيرا عن وفاته، فهناك من قال بأن شارون سممه وقتله، وشارون الآن لا حي هو ولا ميت، وهو لم يقدر على عرفات عندما اجتاح بيروت قبل سنين يقدر عليه بعد الاتفاقيات والمعاهدات؟!!
ثم مضى الناس متحسرين، ومازالت الأسئلة تشتعل في رأسي: إذا لم يكن شهر صوم، فلماذا يحتجون؟ ثم عرفات مات، وغزة الآن مظلمة والضفة تحمل إليها الدواء وسفن العرب لا تستطيع الاقتراب كما فعلت سفن الأوروبيين غير الدبلوماسيين!! عندها قررت أن أتصل ببرنامج هذا الصباح أسأله عن الأمر، ولكن خالدا الزدجالي لم يرد وكان مشغولا بهنا عمان، ثم قالوا بأنهم لا يبثون المكالمات إلا بعد تسجيلها ولا يعتقدون بأن موضوعي سيذاع لأنه موضوع شخصي، وعلي أن أبحث عن إجابة في مكان آخر، ففتحت الجريدة لعلي أجد الخبر اليقين!
قرأت أنهم يصدرون القمح للعالم فيما الجياع كثر في بلادنا، فثارت حفيظتي وقررت أن أرد عليهم هؤلاء الحمقى الذين لم يجدوا سوى قوت يومنا يصدرونه للعالم: ما دخلنا نحن بجوع العالم؟ ألا يتركون لنا هذا القمح؟ لكن الجريدة استشاطت غضبا من سوء قراءتي، وذكرتني بأن العرب لا يحسنون القراءة ولو كانوا يحسنون لما جعلوا القمح قمعا والعكس! إنهم يصدرون القمع يا هذا وليس القمح!! فضحكت حتى ظهر سني الذي يحتاج لعملية خلع عصب لم أقدم عليها لأن الطبيبة التي كان يفترض أن أجري العملية على يدها ذهبت في رحلة ولادة ودراسة وبأن موعدي تأجل عاما آخر! ثم كيف يصدرون القمع؟ ربما يقصدون النفط وليس القمع، فنحن لا نصدر إلا البراميل السوداء من داخلها لتعود لنا بأغلى الأثمان! أما عن القمع فلا أظن، فنحن لا نملك الشجاعة لكي نصدر بضاعة جيدة في مثل زماننا هذا كالقمع! أما القمح فبرغم خصوبة الأرض لكننا نستورده ونستورد معه الأرز والبسكويت والحليب واللبن والشاي والبن والزبدة وخرفان العيد!
لحظتها رأيت خروفا أستراليا أبيض يبتسم لي! كان سمينا بالصوف، لا كغيره.. فتذكرت الماعز الصومالي الذي خطفه القراصنة في بحر العرب وطالبوا بفدية وإلا فإنهم سيضطرون آسفين إلى ذبحه ورمي لحمه في البحر! صرخت: لا، فالأسماك أيضا غالية! وقررت أن أتصل بوزارة الثروة السمكية أشكو لهم سوء الحال، وبأني مذ شهر تقريبا لم آكل سوى علب التونة التي تحولت بقدرة قادر إلى علب ذهبية لا يمكن شراؤها أيضا لغلائها! حتى التونة لا تصلح الآن للعيد! لكن متى هو العيد؟ هل بحسب توقيت الواق واق أم بحسب توقيت مسقط؟! مجددا سمعت اللغط: يا أخي ضيعوا علينا صيام يوم عرفة! لحظتها أفقت منتبها لصوت البرد وهو يضرب سيارتي بعنف، فيما أنا نائم بداخلها!
(هذه المقالة كان يفترض بها النشر ضمن عمود علبة المسامير في جريدة الزمن، ولكن جاءت الأوامر بعدم الحديث عن شيء يسمى هلالا، فتحسفت على اسمي!! سامحهم الله)

الثلاثاء، 9 ديسمبر 2008

ماذا تَذكرَ قبل الانتحار؟!



أما بعد،
فسلاما يا دمدم سلاما، ها أنت تضع رجلك فوق حد حافة مبنى مسرح الشباب الآيل للسقوط، لأن بعضهم لم يكن صادقا في نيته عندما قرر بناء ذلك المسرح، ولأن المسرح، بعد كل هذا العمر، وكل هذه النهضة، وكل هذا الزمن، لا يؤسس نهضة، ولا حضارة، وما هو إلا ترف زائد عن الحاجة، وإلا فلماذا لجنة لتطوير الدراما والمسرح في بلادنا، لولا تلك النظرة الضيقة للفن والفنون، للمسرح والدراما، للثقافة مجملا؟ ها أنت تقرر أن تلقي بنفسك إلى الأرض المنحدرة خلف مبنى وزارة الشئون الرياضية التي يقال بأنها تطورت وباتت أفضل مما كانت عليه قبل عشر سنوات، والدليل أن منتخبنا الوطني يفوز بالمركز الثاني لمرتين متتاليتين في كأس الخليج، والكل يهتف باسمه ويقسم بأنه كان صاحب الأحقية! وذلك كله برغم اختفاء منتخبات كالشباب والناشئين الذين في يوم من الأيام دوخوا العالم بفنونهم الكروية، وحققوا ما لم يحققه شعراء الرمل في بلادنا ولا قاصيها أو روائييها!! ها أنت تتذكر غلام خميس والمجد الذي حققه، والسنوات التي قضاها يحلم بمنجز للوطن ولو على صعيد الرياضة وكرة القدم! وأنا بصراحة لا أعرف غلام خميس الذي كتب عنه عبد الله حبيب وأخوه مازن، وحميد البلوشي وسالم الغيلاني وأسماء أخرى لا أعرفها مقدار معرفتي بك! لأنني إنسان لا يبالي بالرياضية، والفرح الذي يصيبني عندما تقام مباراة للمنتخب ليس لأنني أشجع المنتخب، بل لأن شوارع مسقط أو بالأحرى شارعها الوحيد سيكون فارغا تقريبا من السيارات مما يعني عودة الزمن الجميل لأوصال مسقط، ويعني أن أخرج وأشم الهواء الساكن غير المزدحم بالعوادم، وأدخل المجمعات التجارية، وأذهب إلى الشواطئ فلا أجد ذلك الازدحام الكثيف الذي تحياه مدينة كمسقط الآن ودوما بعدما بات لكل أسرة أربع سيارات كأقل فرض! ذلك أن الزوج يعمل والزوجة، والأخت والأخ والأب وربما أيضا الأم! هذا إذا لم يكن للأسرة سائق أيضا..
ها أنت الآن تبتلع غصصك الكثيرة، وتقول: إلى متى ونحن في ذيل القائمة من الاهتمامات والأولويات؟ متى يدرك هؤلاء الفنانون والمثقفون قبل أن يدرك صناع القرار الثقافي أدوارهم في الحياة الحضارية لبلد يمتد لأربعة آلاف عام؟ بالأخص هؤلاء الذين يقولون بأنهم مسرحيون وأصحاب فن، وهم لا يعرفون الطين من العجين؟ كنت لحظتها تتذكر فشل مشروعك السينمائي لأن البلاد ليس فيها مسرح فكيف يكون هناك فن سينما؟ البلاد لا تمتلك أي مؤشر يؤشر إلى أن المستقبل سيكون مشرقا، والذين كان يفترض بهم أن يكونوا أساس الغد، والغد جاء وهم لم يقوموا إلا بما يعنيهم من منجز خاص يصعدون من خلاله سلمة جديدة في الوظيفة أو الأعطيات!
تقول الآن: ماذا تفيد حياة فنان حقيقي في بلاد مسرحها الوحيد انهار، ومسماه اختفى بعد انتقاله من مؤسسة إلى أخرى؟ وللأسف الشديد كانت المؤسسة الجديدة لا تبالي بالتطوير بل كان هاجسها أن تجعل كل مشروعا تراثا خالصا وذكريات مرة لأصحابها! وحتى مشروعها الذي بدأته قبل أعوام أربعة توقف، ذلك أن لا مبنى مسرحي موجود قادر على احتضان الفكرة مجددا، رغم أنها فكرة يمكنها أن تحرك قاع البحيرة الراكدة وليس وجهها فقط! وقد قيل في هذا الشأن بأن هناك ما يشبه المشروع، مشروع بناء مسرح بديل لمسرحين: الأول هو الذي تقف الآن على حافة مبناه بغية إنهاء حياتك، والآخر هو الخيمة التي انهارت مع الأيام داخل المبنى التراثي الضخم، ولا أحد يدري أين ذهب المشروع؟ أو أين ذهبت الأرض؟! ولذلك ومع كل هذه المعطيات التي تراها من كل صوب تبدو لك الآن الحياة بلا معنى، وبأنه لابد لك من أن تسجل موقفا مغايرا للصمت الكلاسيكي، أو الاعتراض المعتاد، ولذا يبدو وقوفا بغية الانتحار سقوطا من مبنى مسرح الشباب بمسقط فرصة متميزة وفكرة رائدة، ستسجلها الأيام بكل تأكيد، وسيعرف العالم كله مأساة الأدب والفن والثقافة في بلاد حضارتها تمتد بامتداد العصور!
رحمك الله أينما كنت الآن!

دمدم ينتج فيلما سينمائيا!


أما بعد،،،
فدمدم المسكين بعد أن شاهد وسمع وحضر فعاليات ندوة تطوير المسرح والدراما التي عقدتها مجموعة الفرق المسرحية العمانية، والتي يحاول أعضاء كثير منها إنشاء جمعية مختصة بالمسرحيين على غرار جمعية الصحفيين وجمعية الكتاب والأدباء وجمعية السينما وجمعية حماية البيئة وجمعيات المرأة وجمعية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والجمعية الأهلية لمكافحة السرطان وهلم جرا! أقول بعد أن حضر تلك الندوة/ المشاجرة، التي أكدت على أن المسرح العماني والدراما العمانية بألف خير، وبأن اللجنة القادمة لن تجد شيئا توصي به أكثر من نشر المحبة بين الفنانين في قطاعي المسرح والدراما، بعد أن تابع كل ذلك قرر أن لا يسأل عن زيادة أجره، ورفعه إلى تصنيف أعلى، وأن يغير مهنته الحالية من منظف للأحذية وشمام لها، إلى مستثمر، حيث فكر ودبر، فلمعت في ذهنه الأفكار الجهنمية: قرر أن ينتج فيلما سينمائيا، فإذا كان المسرح يعاني والتلفزيون والإذاعة لا يعطيان مالا، فالمستقبل للسينما، وعليه ففكرة الاستثمار فيه فكرة ممتازة، خاصة أن البلاد ما تزال خالية من مثل هذه المشاريع، وبكل تأكيد ستعمل السينما على تنشيط السياحة في البلد، فهو سيستعين بمخرجين كبار مثل ردلي سكوت وأخيه، ومثل مروان حامد ورامي إمام، وسيستعين بممثلين أكابر، كجورج كلوني وبراد بيت وتيم الحسن وأحمد عز، وبالطبع هناك أيضا الممثلات الجميلات اللائي إن جئن سيجعلن كل فندق ينزلن فيه مشغلا مائة في المائة دون أن تكون هناك غرفة لأي ضيف آخر!
هذا جميل يا دمدم، ولكنك لابد أن تتطلع قبلا على التاريخ التأسيسي لفن السينما في البلاد! بالطبع يا محدثي العزيز، أنا أعرف أن هناك جمعية السينما العمانية، وهناك فيلم البوم، وهناك مهرجان مسقط السينما ومهرجان آخر للأفلام القصيرة والوثائقية، وهناك لابد أناس مختصون عارفون بالسينما! هل أنت متأكد يا دمدم؟ عندها قطب حاجبيه وقال: ماذا تقصد؟ وعندما لم يرد عليه الطيف، قرر أن يبحث أكثر، فذهب إلى خالد عبد الرحيم الزدجالي رئيس جمعية السينما منذ تأسيسها، الذي فتح له الأبواب وقال هات أعمالك سننفذها نحن! خرج بعدها مبسوطا منشرح البال، وقال هكذا يكون الدعم! لكن الطيف فجأة أطل بسحنته البغيضة وقال له: هل تعرف ما الفرق بين الفيلم السينمائي والفيلم التلفزيوني؟ فأجاب على الفور: سؤالك هذا سؤال سخيف فالجمعية بمن فيها يعرفون الفرق، هذا أمر بديهي يا صديقي الطيف، هم أصحاب ثقافة سينمائية أفضل مني بكل تأكيد! إذن عد واسأل أعضاء الجمعية الموقرين عن مفاهيمهم للسينما، وابدأ من هذا السؤال السخيف كما قلت! غضب دمدم، وقرر المضي وعدم الإنصات للطيف الغبي الذي يحاول أن يجعل كل شيء سيئا في بلادنا، أما الطيف فقد لحقه وقال له: سيقولون لك بأن الفرق هو أن الفيلم السينمائي يصور بكاميرا سينمائية والفيلم التلفزيوني يصور بكاميرا تلفزيونية، هذا يعرض في السينما وذاك يعرض في التلفزيون، وبس! وسيقولون: نحن نعرف محمد كامل القيلوبي، ونعرف أنعام محمد علي، ونعرف حاتم علي، ونعرف أسعد فضة وواحة الراهب ونعرف ستيفن سبلبرج، ونعرف الكثير، والأزمة إذا فيه أزمة ما هي إلا في الفلوس، ونحن أنتجنا فيلم البوم، وقد أشاد به الكثير من النقاد، وصح ما عرضناه غير يجي خمس مرات بس المهم إنه عندنا إنتاج، وإذا إنته جاهل بالسينما فنحن لا، نحن عندنا كل المعلومات والثقافة المطلوبة، ولا تجلس تقول إننا ما نعرف، نحن نعرف، وما عندنا مشكلة!!!! ولو نظرت في وجوههم ستجد أنهم هم ذاتهم الذين يتحدثون عن المسرح، وعن الدراما. طيب ما المشكلة يا عزيزي الطيف؟ ليست هناك أي مشكلة، وسترى أن الجمعية هي الوحيدة المستتبة التي لم تثر حولها مشاكل منذ تأسيسها، وهذا يدل على أن الجمعية بأفرادها يعملون بصمت! بالطبع يعملون بصمت ولا أحد سيفكر أن يجعل لهذه الجمعية نشاطا، أو انتخابات، وترشيحات، وتأكد يا دمدم أن الأعضاء الموجودين في الجمعية لم يزد فيهم أحد منذ إعلان التأسيس إلا فيما ندر ومن أفراد معينين! أوووف أنت طيف مزعج وأنا أريد أن أنتج فيلما، فاتركني بسلام! ثم غادره الطيف ومضى!!

ستة وثلاثون!



أما بعد،،،
ففي لقاء جمعني بدمدم مؤخرا (وهو الشخصية الرئيسة في مسرحية دمدم التي كتبها للمسرح الممثل والكاتب مالك المسلماني والذي أدى الشخصية على الخشبة في عرضها الأول والأخير إذ بعدها أصدرت وزارة التراث والثقافة أمرا بإيقافها وعدم التفكير من قبل أصحابها في العودة مجددا بعرضها داخليا أو خارجيا لأن بها بعض التصريح والإيحاء لمسائل تهم البلد، فمثلا رقابة الوزارة مدفوعة برقابة أخرى تساءلت عن معنى خربانة هل القصد بها أن البلد خربانة ككل؟ وتساءلت عن معنى المفتاح والخزنة ولماذا هذا التوقيت للعرض ولمثل هذه الإشارات؟ وبالطبع استجابت الفرق الثلاث التي تجمعت لأول مرة من أجل إيجاد فرجة حقيقية وتقبلت الأمر والمنع وبدأ القائمون عليها يفكرون بإنتاج عروض أخرى وفي قلوبهم غصص هائلة)
كان دمدم يبكي ويردد بألم وحرقة: ستة وثلاثون!! فقط ستة وثلاثون!! وبالطبع لم أفهم ما يعني لذا جلست جواره وسألته: ماذا تقصد؟ فنظر إلي وحزن الدنيا كلها يفيض من عينيه ثم قال: ألوم مالكا أنه اخترع شخصيتي، فلولاه لما رأيت كل ما رأيت من أسى وحرمان! هل تصدق أنهم أعطوني ستة وثلاثين ريالا فقط، وقد ظننت أن أجري أكثر من ذلك بل إني قلت لصاحب المالية: ربما تقصد ثلاثمائة وستون ريالا وليس ستة وثلاثون فرد علي بأنها كما عدها: ستة وثلاثون لا أكثر ولا أقل!! ضحكت وقلت بأنها لا تكفي بنزين السيارة التي أقودها وهي بالمناسبة سيارة قديمة جدا وتستهلك كل راتبي، وهو راتب زهيد إذ أني أعمل في تلميع الأحذية وتربية القطط! ولا تستغرب لماذا لم أعمل ممثلا، فالفن ما يوكل عيش في بلادنا، ولذا قررت أن أذهب إلى الندوة التي أقامتها الفرق المسرحية العمانية الأهلية التي يصل عددها سبعة عشر فرقة لا أدري أين هي، وقد علمت عنها عن طريق هلال الهلالي وطالب محمد وخالد عبد الرحيم عندما كنت بالإذاعة والتلفزيون فقد كانوا يعدون أوراق عمل لهذه الندوة، ودعوني لأن أحضر، فقلت في نفسي: هذه فرصتك يا دمدم لكي تشتكي الأجور السيئة التي تعطى إياها وتصنيفك المجحف والذي وضعت من خلاله في الدرجة "سي" مع أنك تعلم يا صديقي بأني خريج جامعي ولدي شهادة حتى لو عملت في تنظيف الأحذية وتربية القطط، فكما تعلم لم تعد المشكلة مشكلة خريجي الثانوية أو الشهادة العامة كما يسمونها اليوم فحتى مخرجات البكالوريوس وربما الماجستير لا يجدون عملا لأن الدرجات المالية غير متوفرة ولا قانون واضح بالنسبة للتقاعد حتى الآن! المهم قررت أن أذهب للندوة التي استمرت ليومين، وهناك رأيت العجب العجاب يا صديقي! رأيت ورقة تقول بأن هناك مشاكل للفرق ولا تقول في الوقت ذاته، فصاحب الورقة، وهو بالمناسبة محاضر في الجامعة، لم يقل شيئا واضحا بل مجرد جمل عامة يمكن أن يقولها أي واحد من الحاضرين حتى أنا، ثم اكتشفت أنه ليس عضوا بأي فرقة من الفرق التي يتحدث عن مشاكلها وليس لديه نتاج مسرحي واضح! قلت لا مشكلة ربما الورقة الثانية تطرح المشاكل، وقد طرحت مشكلة مهمة وهي أن المتحدثة لا تعي الفرق بين النص المسرحي الأدبي وبين العرض المسرحي، وتطالب الكتاب بأن يدخلوا الأساطير والحرف التقليدية والموروثات في نصوصهم كي تكون نصوصا مسرحية أو إدخال شاشات عرض في صلب نصوصهم، كي نتخطى أزمة النص المسرحي والدرامي، وعرفت لاحقا أنها لم تكتب أي نص مسرحي وبأنها تحفظ مجموعة من البراويز والأطر التي تكيف كل فعالية مسرحية لتتلاءم معها
تحسرت ثم قلت ربما الأوراق الأخرى كانت بأفضل، لكنها جاءت لتقول بأن الأمور كلها بخير، وبأنني لم أظلم عندما أعطيت ستة وثلاثين ريالا أجر الحلقات العشر التي أديتها، حتى المشاجرات التي نبتت بعد الأوراق والاتهامات المتبادلة لم تقل لي إلا بأنه من الجيد أنني أخذت الستة والثلاثين ريالا، لذا خرجت وفي حلقي يتحشرج السؤال: من الذي هو سبب تأخرنا في المسرح والدراما؟ هل هي وحدها لائحة الأجور وميزانيات الأعمال والرقابة؟ أم هم هؤلاء الذين يقولون بأنهم مسرحيون وفنانون وهم لا يمتلكون أبجديات الحوار الخلاق؟! تساءلت بعدما مضى دمدم: ماذا يمكنني أن أفعل بستة وثلاثين ريالا كان وضعها في يدي قبل أن يمضي؟!

السبت، 8 نوفمبر 2008

سذاجة


أما بعد،،
فقد أخبرني أحد ناقلي الأخبار الذي يضاهون جهينة في الخبر اليقين، أخبروني أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي أعلن عن فوزه بفارق كبير نهاية الأسبوع المنصرم، هو من أهل عمان طيبي الذكر، وبالتحديد من البريمي، وقد ساقت أهله الظروف إلى الرحيل والغربة حتى استوطنوا كينيا ومنها في القرن العشرين إلى أمريكا حيث لمع اسمع بارك أوباما حسين أو حسين أبو عمامة كما ذكر بعضهم!
وقد هلل ناقل الخبر وقال بأن هذا الرجل طيب وسيحل مشاكلنا الحالية مع إسرائيل ولن يكون متحيزا وبكل تأكيد سيخرج من العراق وسيحرر القدس الشريف من التدنيس المتواصل، وتذكر جهينة العماني بأن هتلر الألماني كان يمكن أن يفعل الفعل إياه، فهو مسلم مؤمن ولكن الظروف خانته والمؤامرة كانت كبيرة عليه لدرجة أنهم لم يجدوا جثته بعدما تكالبوا عليه وقتلوه!! ولذا فشل العرب في أن يستعيدوا القدس وفلسطين، وعاشوا سنوات تحت نير الاحتلال، وبات هو ذكرى لا يمكن تذكرها إلا بالسوء لأن إسلامه كان خفيا، ولولا اليهود القساة القتلة الملاعين لما طويت تلك الصفحة من تاريخ ذلك الإمام الطيب!
وواصل الرجل يقول بأن باراك أوباما سينجح فيما لم ينجح هتلر فيه، وسيحرر العرب من كل المآسي التي يعيشونها، وبكل تأكيد سيكون للعمانيين دور بارز في ذلك كما كان لهم في تاريخ العرب القديم دورهم البارز الذي سجل نقاطا مضيئة ما زالت نياشين تعلق في جبهة كل عماني.
لقد رحل أجداد أوباما إلى كينيا التي كانت هي وأجزاء كبيرة من شرق أفريقيا ذات صلة قربى حميمة بالوطن العماني الأخضر، ومع تغير مجريات الأحداث في العالم، والوهن الذي أصاب بلاد العرب وفقدان صلة القربى والرحم نسي الجميع تلك الحكاية، ونسي أوباما ذاته أصوله العمانية البريمية الموغلة في القدم!
وهز رأسه متحسرا على ذلك الماضي البعيد الجميل، حتى قلت له: لكنني سمعت يا جهينة بأن باراك أوباما كانت أصوله من بدية، وبعضهم أكد أن له أهلا في إبراء بالمنطقة الشرقية، وقد أقسم لي بذلك الذي نقل لي هذه المعلومة وحلف بأنه صادق وإن كان غير ذلك سيطلق امرأته، فلم أشأ أن أطلب منه أن يدلني على أقارب باراك في الشرقية لكي لا يتورط فيطلق زوجته والتي من أجل أن يتزوجها دفع الغالي والنفيس وأصبح مدينا للبنك يدعو ليل نهار بأن يعلن إفلاسه جراء الأزمة المالية العالمية فتسقط ديونه الكثيرة! كما لم أشأ أن أقول له بعد أن سمعته يدعو على البنك بأن الرئيس الجديد لأمريكا سيسعى أول ما يسعى له أن يحل الأزمة المالية التي بدأت من أمريكا وانتقلت إلى العالم كله كوباء زكام الطيور والدجاج التي لم يعد يأكلها بعد تلك الموجة الضخمة من الوفيات والإعدامات للطيور والدواجن! وبأن بنوكنا ومؤسساتنا المالية حتى وإن كانت تعاني فإنها لن تعلن للناس بذلك فالناس يكفيها ما أصاحبها جراء الغلاء الفاحش وعدم قدرتهم على العيش بمستوياتهم المادية التي لم تعد متناسبة كما كانت قبل خمس سنين!
والحقيقة أنني ركنت إلى تصديق الجهينين الإخباريين، وقلت في نفسي: صحيح ربما كان باراك عمانيا! وما الضير في ذلك فكينيا فرحت وذبحت الأبقار ونحن إن كان صحيحا الخبر علينا أن نفرح مرتين: مرة لأنه أصوله عربية مسلمة، ومرة لأنن نوشك أن نحكم العالم فنصحح الأخطاء الكثيرة فيه!لكن الأخبار التي كانت تنقلها الجزيرة والعربية والحرة وصحف الشرق الأوسط والحياة والقدس العربي والوطن وعمان والشبيبة والزمن قالت بأنه سيعين كبير موظفي البيت الأبيض أبوه كان قتل كما من العرب الفلسطينيين قبل أن يهاجر في الستينيات إلى أمريكا، فأفقت من الأحلام واكتشفت كم نحن نعيش في السذاجة!

الأربعاء، 5 نوفمبر 2008

للعرض فقط


أما بعد،،،
فقد ذهل الكاتب مؤخرا عندما زار معرض الشارقة للكتاب ولم يجد كتبه الثلاثة التي تكفلت وزارة أشغال الكتاب والمثقفين وصون حقوقهم بإصدارها ضمن مشاريعها التي لا تعد ولا تحصى! وأصابته نوبة هستيرية جراء ذلك، مما استدعاه للاتصال بالوزارة والتحدث إلى المسئول الأول عن الإصدارات الحديثة الذي قال له: يا أخي تراكم هلكتونا يا المثقفين! ما عاجبنكم إنا ما طبعنا حالكم أو كرّمناكم، ويوم طبعنا لكم مسوي كل ها الحشرة، حال موه؟ حال كمين كتاب ما توكل عيش! يا أخي اهتم بقضايا البلد الحقيقية وأزمة المال في العالم وخليكم من القصص والروايات اللي ما توكل لا عنب الشام ولا بلح اليمن!
عندها ارتفع الدم إلى أعلى منسوب في رأس الكاتب وقرر أن يتصل بالمسئول الأكبر في الوزارة وأخبره بما رآه في معرض الشارقة للكتاب وكيف أن كتبه لم يتم عرضها مطلقا ولا كتب زملائه عدا عدة كتب ربما جاءت بالمصادفة، فأجابه المسئول الأعلى بأن هذا يحدث أحيانا، فأنت تعرف يا أخي بأن العاملين في المخازن هم أناس غير معنيين بالكتابة والكتب، والذين يقومون على مثل هذه المشاركات هم أناس لا يهتمون لمن هذا الكتاب أو ذاك، ثم وعده أن هذا لن يتكرر في المعرض القادم! فقال له الكاتب: كل مرة تقولون هذا ويتكرر الأمر! ورد المسئول الذي كان يلعب في ساعته الجديدة التي أهدته إياها زوجته: يا أخي تحملنا قليلا، ثم إيش فيها إذا كتابك ما موجود؟ المرة الجاية بيكون موجود! ثم باغته بالقول: وأرجو الاتصال بالجماعة عشان هذا الموضوع واعذرني أنا داخل اجتماع الحين!
أوشك لحظتها الكاتب على البكاء، وتذكر، وهو في ردهة ذلك المعرض وأمام ركن الوزارة والعمانيون الذين تجسموا المسافات من أجل معرض الشارقة يمرون حوله مبتسمين فرحين بالمعرض الكبير، تذكر يوم اتصلوا به من الوزارة في عام 2006م من أجل أن يقوموا بنشر بعض من مخطوطات كتبه التي أعياه أصحاب دور النشر العربية الكبيرة والصغيرة فيها فلم يأخذ لا حقا ولا باطلا منهم وهم كانوا يأخذون كل الحق وكل الباطل من وراء اسمه وكتبه التي تتصدر قائمة المبيعات! وبعد عرض مغر بأن يكافئوه بمبلغ ممتاز وبترويج متميز لإصداراته مع الإصدارات الأخرى، وبأنهم سيقومون بتوزيعه في منافذ بيع الكتب وفي المعارض وسيعطونه عدد ثلاثمائة نسخة من كل إصدار، وافق خاصة بعد مكالمة طويلة مع زميله الكاتب الآخر الذي شجعه على هذا قائلا له بأننا لا يجب أن نكون سلبيين ونساهم مساهمة جيدة في دعم الوزارة على اتخاذ موقف إيجابي من الكتاب والمثقفين لنكون جسدا واحدا يسعى إلى خير البلد من الناحية الثقافية، وهذا المشروع سيكون رافدا جيدا لذلك الخير الوفير بإذن الله! ساعتها فقط قدم الكاتب مشروعاته الكتابية، وانتقى ثلاث مخطوطات جاهزة للنشر وسلمها الشخص المسئول في الوزارة وانتظر..مر شهر وهو ينتظر وقيل له بأن اللجنة ما تزال تنظر في الإصدارات وإمكانية نشرها! وتساءل هو: ألست كاتبا لي اسمي في البلاد وفي خارج البلاد؟ فأجابوه بأن هذا هو المتبع واللجنة لن تقصر بإذن الله وهي عارفة بقدرك ومستواك في الكتابة! فتغاضى يحركه في ذلك أمران: المكافأة الموعود بها، وكسر الجليد بين المثقفين والوزارة! ومرت ستة أشهر ولم يحدث شيء برغم مكالمة لطيفة أخبروه فيها بالموافقة، ولكن الرقابة ما زالت تقرأ الكتب، فتساءل مجددا: هل هناك من أحد في الرقابة يعي ما نكتب؟ وأجابوه: إنه النظام يا أخي الكاتب! ومرت سنة وعندما سأل أصدقاء له عن هذا الأمر قالوا له بأنها مسألة إجراءات مالية، وتساءل: كل هذا الوقت؟ وأجابوه: هكذا تجري الأمور! والأمور جرت كما رتب لها من قبل: فأخذ خمسمائة ريال مكافأة وقيل له توجه للمطبعة لتتابع كتابك وبعد سنة أخرى من المتابعة خرج الكتاب إلى النور وعرف عن طريق أحد أصدقائه بذلك دون أن يتصل به أحد، وأخبره الصديق بأن معرض الشارقة قريب ولابد أنهم سيعرضون الكتاب هناك بعدما لم يعرضوه في أبو ظبي أو بيروت أو القاهرة أو الرياض، لكن ذلك لم يحدث مطلقا وما حدث هو عرض بعض الإصدارات السابقة على إصداراته وهي كانت معروضة فقط لا أكثر ولا أقل!!

السبت، 1 نوفمبر 2008

العماني المصطنع


أما بعد،،،
فإني لأتساءل: هل من المجدي بأي حال من الأحوال أن يسعى الإنسان إلى امتلاك المال؟ أن يجعله هو المبتغى الذي لابد أن يكيف كل ظروفه من أجل الوصول إليه؟ أم أن المال وسيلة جيدة للرقي بأنفسنا والوصول إلى منطقة حضارية جيدة؟
لكن ما لنا وما للمناطق الحضارية؟ نحن لا نهتم بهذا الجانب، وإنما المتعة الحقيقية هي أن يكون لدينا رأس مال قوي، بالأحرى أن تكون لدينا خزينة مال كبيرة ومتسعة وهذا الأمر يذكرني بمسلسل كرتوني عن شخصية (دك) البطة الذي لديه برج هو عبارة عن خزنة كبرى يضع فيه ماله الوفير فيما الذين حوله يحاولون السطو عليه وسرقته، ومال البخيل يروح حال العيار! كما يقول العمانيون!! والعمانيون ليسوا فقراء كما كنت أعتقد، واعتقادي كان يستند على رؤية وضع موجود أو بالأحرى على شكوى يتناقلها الناس بأن الفقر منتشر في بلادنا، وبأن حكومتنا الرشيدة لا تحاول أن تسند ظهر هذا الفقير، ولكن كما يشير أحدهم في مقالات متواصلة له بأن الاستغراب يعلوه عندما يشاهد كم التكدس على المجمعات التجارية وموجات الشراء الضخمة التي يقوم بها الناس والتي بكل حال من الأحوال لا تعكس حال الفقر بل القدرة الشرائية الفائقة حتى وإن كانت قدرة مزيفة!
ومع ذلك تتواصل الشكوى ليس من الفقراء القادرين على الشراء بل من أصحاب المال الذين يكتنزون المال ولا يسعون إلى استثماره وتحريكه، والذين كلما أتيحت لهم فرصة محلية أو عالمية قاموا بفرض عنجهيتهم بدعوى أنهم يحاولون التكسب من أجل أنفسهم وأبنائهم، لأن كل شيء ارتفع، ويتناسون أنهم سبب التضخم لا أمريكا ولا سواها.
ويا ليتهم قد عرفوا حق المال، فأسرعوا لاستغلال البيئة التجارية المناسبة والقوانين التي تيسر إلى حد بعيد إقامة المشاريع الاستثمارية الجيدة التي تخدم الناس وتغنيهم هم وتزيد في مالهم الراكد! لكنهم لا يفكرون في غالبهم بمسألة المغامرة التجارية ويفضلون الارتكان إلى الربح السريع والمريح وتخزين ما يأتي خوفا من غد مظلم لا تبدو له نهاية، ولا يوقنون بأي حال من الأحوال بأن الغد المظلم سيأتي إن كان التفكير يمشي بهذه السطحية.
ما يؤسف له أيضا أنهم لا يريدون أن يرى الله أثر نعمته على عبده، وعندما تقول لهم: اصرفوا مالكم على أنفسكم على الأقل، قالوا لك بتواضع مصطنع: لا نريد أن نخرج عن بساطتنا! وألا نجرح من ليس مالكا مثلهم!!
ألا يفكر أحدهم أنهم يكذبون على أنفسهم؟ ألا يكتشفون أنها بساطة كاذبة وبأن العمانيين البسطاء الزاهدين في الحياة وفي الدنيا ليسوا كذلك؟ ليسوا تماما كما يروجون عن أنفسهم، بل بهم مما لدى الآخرين من حب للحياة وحب للعيش في ملذاتها الكثيرة..
ولو كانوا كذلك لتشاركوا جميعا في الخير، ولسعى غنيهم إلى زحزحة فقر المساكين منهم وإيجاد بيئات مناسبة لهؤلاء كي يعيشوا فيها، ولما تبجحوا بالتواضع فيما الجار يئن جوعا لأن جاره الغني قرر أن يزيد في سعر الأرز والطحين لأنها أزمة عالمية!!

الخميس، 16 أكتوبر 2008

في زحمة العيد


أما بعد،،،
ففي هذا العيد تساءلت عن ذلك الزحام الشديد الذي كانت تعيشه العاصمة مسقط في كل مكان تقريبا: في السيتي سنتر والبهجة والقرم والسيب ورأس الحمرا وغيرها من الأماكن الجميلة؟ ثم قلت لنفسي: أنت حمقاء! هذه هي العاصمة ولابد للناس أن يأتوا بعوائلهم كي يسروا عنهم من نزوى وصور وصحار وعبري والبريمي والرستاق وكل عواصم المناطق الحضرية لدينا التي لا تتمتع بمقدار من الرفاهية كما تتمتع به مسقط، فهي ـ أي تلك المدن ـ لا تحتوي على مقدرات ترفيهية كالسيتي سنتر مثلا أو مجمع السينما في القرم، أو الحدائق الكبيرة كالصحوة والقرم ومرح لاند!
قلت إذن أذهب للبلد فهناك لابد أن يكون الجو صافيا وممتعا وغير مزدحم، بل هادئا على غير العادة وسأجد أماكن جميلة كالأودية يمكن أن أتمشى فيها.. لكن الطريق إلى البلد بدا بعيدا، فخط الباطنة كان أيضا مصابا بالازدحام، بسيارات أهل البلد وبسيارات قادمة عبر الحدود! وبدت الدوارات الكثيرة ـ التي لا تحتوي إشارات مرور (ولا نقول أن تستبدل بجسور كمسقط) ـ متوقفة، ولم يعد ممكنا السرعة إلا في حدود المائة فقط! وبالطبع فإن هذا يفترض به أن يخفض نسبة الحوادث، فالسرعة هي السبب الأساس للحوادث والموت، ولكن ما رأيته أن هذا الخط المزدحم كان أيضا مزدحما بالحوادث، خاصة في مناطق معينة: بركاء والسويق بالتحديد.
وعموما هذي قضية أخرى، تبدو نوعا ما بعيدة عن العيد وعن إجازة العيد التي كنت أود قضاءها في مكان مرفه كالمجمعات التجارية الضخمة، ولم أجد واحدا منها في طول البلد وعرضها، وبالطبع بدت مسقط غير ممكنة بسبب أهالي المناطق الأخرى الذين مثلي جاءوها بحثا عن مجمع مميز يحتوي الكثير مما يفتقدونه من ترفيه وتسوق في مدنهم العريقة، والتي بدورها كانت مقصدا لمن يريد شيئا مختلفا غير المجمعات ولا يراه إلا نادرا، وهم يدركون أن عمان بلد جميل لزيارة التاريخ والطبيعة الساحرة، ويخرجون بذلك من ضيق الأماكن المرفهة والبنايات الأسمنتية العالية والتي نبحث عنها نحن كنوع من الخروج من أسر الطبيعة وسحر التاريخ والتراث!
لكن هؤلاء الذين جاءوا إلى ديارنا بحثا عن هذا السحر الحلال، بكل تأكيد سيتضايقون من الزحام، ومن ضعف البنى الأساسية التي يمكن أن تصنع سياحة حقيقية، كما هم أبناء البلد يزفرون استياء من عدم وجود متنفسات كافية لهم خاصة في خارج مسقط، ولا يجدون مفرا من تحمل زحمة الطريق الواحد ليصلوا إلى مسقط، حتى لو كان في ذلك اقترابا من السقوط في شرك الحوادث السيئة السمعة في بلد كبلدنا هذا!
ما الذي يمنع مستثمرينا الأعزاء من استغلال هذا النقص الموجود لدينا؟ حتى مسقط تبدو مملوءة باستثمارات ترفيهية لم يقدمها تجار واقتصاديو البلاد بل الذين سنحت لهم الفرصة من الخارج بذلك، ولا أدل على هذا من السيتي سنتر أو سلطان أو اللولو!! فأين أصحاب المال الذين يكدسون المال ولا يستثمرونه؟ المال يا سادة ليس هو الهدف، بل هو الوسيلة لجني مال أكثر، وهذه النظرية الاقتصادية هي التي تحرك رأس المال وتنميه! أما ما يفعله أصحاب المال لدينا فهو التكديس فقط لا أكثر ولا أقل، ولذلك لدينا أغنياء ولكنهم فقراء في الوقت ذاته، لأنهم لا يسعون إلا لجعل أرصدتهم ممتلئة بلا فائدة، وعندما يموتون لا يعرف الأبناء كيف ينفقون المال أو يستغلونه، ولذلك هم فقراء أشد فقرا من الفقير الذي عندما يجد المال يحاول أن يسري به عن أسرته في عيد مثل هذا العيد!

الاثنين، 29 سبتمبر 2008

اللهجة ليست سببا!!




أما بعد،،،
فماذا يمكن أن تقوم به اللجنة التي تم تشكيلها بشأن النظر في الدراما العمانية وتطويرها؟ ماذا يرتجى من لجنة كهذه، والوضع الدرامي مترد في البلاد لأسباب كثيرة؟ بطبيعة الحال ليست اللهجة العمانية واحدة من مشكلاتها الأساسية برغم الذي يقوله البعض من أن اللهجة هي السبب! وهذا أمر عجب، لأننا رأينا الفنان جمال سليمان ممثلا لدور صعيدي، فهل اللهجة المصرية في صعيد مصر سهلة هكذا؟ ورأيناه في عمل آخر بلهجة أهل بورسعيد المصرية، فهل هذا لأن اللهجتين كانتا سهلتين؟ أم لأن فنانا كجمال سليمان قادر على أن يتقمص الشخصية المطلوبة بشكل جيد فيعطينا انطباعا جيدا بأنه ليس هو جمال سليمان الممثل السوري المعروف؟
ليس السبب اللهجة يا قوم، بل هناك أسباب أخرى: الممثل الذي لا يجيد إلا أن يتقمص شخصيته الحقيقية أو كرترا سهلا فقط كما هو سعود الدرمكي الذي عندما يؤدي شخصية أحد العجائز فإنه لا يعرف طريقا إلا إلى الشايب سلوم في سعيد وسعيدة، ولم يحدث في مرة أن رأيناه يؤدي شخصية الرجل العجوز بخلاف ذلك الرسم!
المشكلة الأكبر أن الدراما العمانية لم تنجب سوى سعود الدرمكي وصالح زعل، ولذلك نجدهما دائما هما صاحبا الحضور الأبرز في درامانا المسكينة، وحجة البعض أن أصحاب المواهب الجدد يتخلون عن المبادرة فيبدو منطقيا أن يتم اللجوء إلى الممثلين القديرين اللذين أمتعا المجتمع العماني في زمن انتهى الآن!
وهؤلاء لا يقولون بأن الممثل الشاب الجديد لا يريد أن يخسر مستقبله الوظيفي من أجل لقطة أو اثنتين لا تقدمان له لا فوما ولا بصلا! إذ الآن لم يعد الممثل العماني يفرغ ليقوم بمهمة التمثيل.
وثمة أيضا مشكلة النص الذي لم يستطع حتى الآن أن يتجاوز المتوقع، وظل حبيس الأفكار السطحية إياها، وظل كاتب النص ضعيفا في مستواه الذي يقدمه للناس، فماذا يرتجى إذن من الممثل الذي يقع عليه العبء الأكبر في الخروج بعمل جيد؟ بل ماذا يرتجى من مخرج ملزم بأن يقدم عملا في مدة معينة ووفق إمكانيات معينة، وبناء على توصيات من جهات بذاتها تقول له افعل ولا تفعل؟
ثم كيف يمكن أن يكون هناك ممثل عماني، أو مخرج عماني، أو فن عماني، وليس هناك مسرح؟ لا بناء ولا مضمون! وبرغم أن المسرح هو البناء الحقيقي لصناعة دراما جيدة في أي مكان من العالم، إلا أننا في عمان لا نوليه أي اهتمام ونصر على أن نلبسه دور الترفيه فقط، متناسين أن الشعوب المتميزة لديها مسارح جيدة، واعطني مسرحا جيدا أعطك شعبا مثقفا لم تقل جزافا!
نحن هنا لا نمتلك مسرحا بأي شكل من أشكاله، والمحاولات اليائسة التي لدينا لم تصنع ذلك البناء، بل ظل يدور في حلقة مفرغة، منتظرا أن تمن وزارة التراث والثقافة في بناء مسرح وإقامة مهرجان دائم له، وهي التي عندما تسلمت مسرح الشباب غضت الطرف عن مهرجان فرق مسارح الشباب، ولم توله أي اهتمام، مع أنه كان طول عقدين من الزمن وأكثر يؤسس لحراك فني في البلاد، بل فوق ذلك عندما أراد البعض أن يقدم عملا مسرحيا جيدا قوبل بالمطبات الكثيرة وفي النهاية بالمنع ليس من الوزارة ذاتها بل بناء على توجيه رقابة أخرى في البلد!
إن إصلاح ما هو غير صالح ولا متواكب مع العصر الحالي أمر ضروري من أجل أن نصنع حراكا مسرحيا ثقافيا جيدا في البلاد، ومن أجل أن تكون لدينا حركة درامية مميزة، ولذا فإنه من الضرورة بمكان أن تصلح المؤسستين الراعيتين للمسرح والدراما في البلد، وأن لا ينظر إلى المسرح على أنه مهنة من لا مهنة له..

الاثنين، 22 سبتمبر 2008

الدراما العمانية وإشكالياتها!



الإعلان الذي نشرته الصحف وسمعناه من قبل ذلك على لسان معالي السيد وزير ديوان البلاط السلطاني ـ رئيس هذه اللجنة ـ بالأوامر السامية من قبل حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم، بتشكيل لجنة لدراسة أوضاع الدراما والمسرح في البلاد يعني بشكل أو بآخر بأن هناك ثمة خلل بين في هذه المنظومة الثقافية والفنية المهمة في البلد، ويعني بأن المسرح والدراما ليست ترفيها فقط، وإنما تقوم بأدوار مهمة في توجيه المجتمع تجاه التفكير بشئونه وإشكالياته المتعددة.
لقد مرت سنوات طوال وكثير منا يرى في الفن عموما مهنة رفاهية، بمعنى آخر مهنة من لا مهنة له، برغم أن الأمر الواقعي يقول بأن كافة الممثلين والفننين العاملين في هذا القطاع لا يربحون تماما من هذه المهنة، بل إنهم في حالات يخاطرون بمهنهم الحقيقية من أجل أن يقدموا عملا فنيا يرون فيه رضا ما، ولذلك تختفي كثير من المواهب التي يعقد عليها الأمل في تشكيل ظاهرة فنية جديدة تحاول أن تسد الفراغ المستمر مذ بدء الظاهرة الفنية في السلطنة ونشوء جيل واحد فقط من الفنانين نراهم كل مرة لا يتغيرون إلا قليلا! لأنهم فعليا لا يريدون أن يضحوا بمستقبلهم الوظيفي والمهني الحقيقي من أجل حفنة ريالات لا تكفي أجرة ربما لسياراتهم! وهم أيضا غير مستعدين لأن يدخلوا مجالا متعبا غير منظم كالمجال الفني ليظهروا بتجارب ضعيفة المستوى في كل زاوية من زواياها الجمعية!
فإذا ما اعترفنا بوجود هذا الخلل وكففنا عن تجميل ما هو غير جميل، فإننا وضعنا أيدينا على الجرح الأول في جسد الفن العماني سواء كان دراما أو مسرحا، فإحدى إشكاليات الدراما والمسرح العمانيين هو افتقاد العاملين فيه إلى قدرتهم على مجابهة أنفسهم والقول بأنهم يسيرون في حقل الخطأ الفني، بل دائما ما يقولون بعكس ذلك، وبأن نجاحا منقطع النظير قد حققوه من وراء الإخفاقات التي قدموها، وبالذات في حقل الدراما التلفزيونية الموسمية والتي نشاهدها في رمضان من كل عام، إذ كمثال بسيط على ذلك، طوال السنوات الخمس الماضية وربما من قبل ذلك كانت الدراما العمانية تمر بضعف وترهل واضحين، غير إن التصاريح الصحفية التي يقوم بها أصحاب تلك الأعمال تنفي هذا الترهل والضعف وتؤكد على تقبل الناس لتلك الأعمال سواء من الداخل أو الخارج، وهذا كلام مناف للصواب تماما فلا إنجازات حقيقية تأكدت حتى الآن، وبإمكان القائمين على تلك الأعمال أن يقوموا بمسوح واستبانات للتأكد من صحة مقولة الضعف الذي قدموه.
القصد بأن إيمان هؤلاء بأن ما يقدمونه هو الإبداع التام، هو أول الإشكاليات التي تواجه الدراما العمانية والمسرح العماني، فهذه الثقة الكبيرة والمتضخمة في بعض الأحوال تعني عدم قدرة هذا الفنان على النظر إلى كل الزوايا بحيث يحاول أن يتجنبها في المرات المقبلة بل يحاول أن يطور نفسه وفي أدواته الفنية، إذ ما دام مقتنعا بأن أدواته هي الإبداع التام فكيف يمكن أن يقتنع بأن هناك أدوات أخريات يمكن له أن ينظر إليها ويطبقها ويجربها في عمله الفني؟!
هذا بدوره يعني بعدم قدرة هذا المبدع على استقراء القدرات الأخرى الموجودة حوله والاستفادة منها بشكل جيد، وتظل ثقافته الفنية إذا ما اقتنعنا بامتلاكه تلك الثقافة، ضئيلة ومبسطة، وفي الحقيقة لو جلست تحاور أحد الفنانين أو العاملين في هذا المجال لوجدتهم خالين من الثقافة الفنية المبسطة، بل عدم فهمهم لكثير من الأسس التي يقوم عليها الفن والعمل الفني.. في مثل هذه الحالة كيف يمكن أن نطور من أعمالنا الفنية؟
إن ثقافة الفنان: كاتب النص، والممثل، والمخرج، والمصور، وكافة العاملين الآخرين وصولا إلى المنتج ذاته، هي التي ستعني بطريقة أو بأخرى تطورا جديدا في هذا الحقل، ومما يؤسف له عدم محاولة كثير من هؤلاء بأن يطور من إمكانية الموهبة لديه، بالقراءة والملاحظة واستنباط الأفكار الجيدة التي تعينه على أن يكون موازيا لفنانين آخرين في البلدان المجاورة، والذين نعلم جيدا أن كثيرا منهم قد بدأوا من بعدنا في صياغة هذا المجال، ولم نعد نراهم في المسافة الجامعة بيننا الآن لأنهم تخطوا عثرات البداية لديهم، فيما نحن مازلنا في البداية إياها، إن لم أقل عدنا بأنفسنا إلى ما دون البداية تلك!
في حوار له ضمن برنامج الخيمة الرمضانية مع المذيع خالد الزدجالي قبل أيام قال المخرج أنيس الحبيب بأن واحدة من مشاكل الدراما هي عدم وجود الخبرة، وأشار بأن هذه الخبرة لا تأتي إلا من خلال الاستمرار، فكل العاملين في مسلسل اليرام كانوا لا يتمتعون بتلك الخبرة، وإنتاج مسلسل هو إنتاج موسمي، لذا فالخبرة لا تتكون بسرعة، وهذا كلام صحيح إلى حد بعيد، فحتى أنيس ذاته لم تتطور أدواته الفنية بعد لأنه مخرج موسمي، وقد يمضي موسم دون أن يخرج عملا واحدا، فكيف يمكن له أن يطور من أدواته في حال رغبته في تطويرها؟ فبرغم امتلاك أنيس الحبيب لمقومات صورة إخراجية متميزة، إلا أنها هي ذاتها مذ بدأ عملية الإخراج ولم يتقدم فيها إلا قيد أنملة، وهذا ربما ليس خطأه وحده فكما ذكر هو ذاته بأن المسألة تحتاج إلى خبرة والخبرة تعتمد على الاستمرار في الإنتاج الذي هو موسمي ومن جهة رسمية فقط!
ثم أين شركات الإنتاج الخاصة سواء للمسرح أو الدراما؟
تلك هي مشكلة أخرى، فشركات إنتاج الدراما العمانية ضعيفة وكسولة، وتعتمد على مبدأ المغامرة برأس مالها في شيء ندرك جميعا أنه غير مربح تماما في بلاد كبلادنا، فنحن نمتلك شاشة تلفزيونية واحدة هي التلفزيون العماني فقط، وهو يقوم بإنتاجه أيضا، وهو أيضا ليس بذلك الإنتاج القوي، فمن ذا الذي سيشتري من هذه الشركات؟ وهي لا تمتلك خبرة تسويقية ولا تملك علاقات عربية واسعة تؤهلها لأن تجعل من القنوات التلفزية تسارع للشراء منها؟ ولذلك تعتمد على ما قد يجود به التلفزيون العماني عليها!
ولنكن أكثر وضوحا، فغالبنا يعلم بأن هذه الشركات أسسها فنانون في الأصل، محبون للفن ويودون أن يستفيدوا من ورائه، ولكن رأس مالهم يبدو ضئيلا، وهذه حقيقة لا يمكن إغفالها، إلا إذا طالبنا هذه المؤسسات بالمغامرة استدانة من البنوك بمئات الآلاف من اجل إنتاج عمل جيد قد يشتريه التلفزيون العماني وقد لا يشتريه، وقد تتفاوض فيه القنوات التلفزية الأخرى وغالبا ستقول بأن لدينا خططنا الدرامية ونعتذر لكم!
إذن يبقى التلفزيون هو الأمل الوحيد في إنتاج عمل جيد يمكن أن ينافس الأعمال المعروضة في الشاشات الأخرى ويبقي المشاهد العماني متابعا جيدا له، دون أن يقلب على قناة أخرى.. لكن كيف يمكن له أن يحقق هذه الأمنية وما زال النص المعروض هو ذاته الذي يعرض؟ لا أفكار جديدة على مستوى بناء النص الدرامي، والحكايات تظل مكرورة ولا جديد فيها، وكل هذا خوفا من مقص الرقيب الذي لا يتوانى عن مراقبة كل ما قد يسبب له الصداع
حتى في عمل كدرايش الذي أثبت باختلافه على قدرة العمل العماني أن تجذب إليها المشاهد، كان مقص الرقيب حاضرا بقوة.
ودرايش برغم ما قدمه من اختلاف كان أيضا يعاني من بعض الإشكاليات الفنية التي تصب في خانة عدم امتلاك القائمين عليه لثقافة فنية عالية، بالذات في مسألة الكتابة، فالمشاهد لا يعنيه الوعظ والإرشاد لأن العمل الفني ليس إرشادا أو وعض، بل هو عمل آخر تماما، وقد اختلف مستوى الحلقات ما بين الضعيفة جدا والحلقات ذات المستوى الجيد وذلك لتعدد الكتاب والذين تفاوتوا في إمكانياتهم وفي نظرتهم لمعنى العمل الفني، فالحلقات التي كتبها محمد الرحبي تعد من الحلقات المميزة لامتلاك صاحبها رؤية مختلفة لمسألة الكتابة ذاتها، والحلقات التي كتبها محمود عبيد كانت تؤشر إلى رؤيته الخاصة لمعنى الدراما.
وبرغم ذلك فقد حظي هذا المسلسل على نسبة عالية من المشاهدة، لأنه في كل حلقة كان يحاول أن يطرح قضية من قضايا المجتمع ويسلط عليها الإضاءة نقدا بالإيجاب والسلب، كما أنه فعليا قدم أسماء جديدة في الأداء التمثيلي قد تسد فعليا الثغرة في الأجيال الفنية المعتمدة على جيل واحد فقط، فهناك عبد الحكيم الصالحي هذا الشاب الذي يمتلك قدرات فنية عالية ستؤكدها أعماله الفنية المقبلة، وهناك سعود الخنجري الذي بدأ من سنوات وكان مسلسل درايش فرصته الحقيقية لن يخرج طاقاته الحقيقية للعلن وهناك أيضا على عوض وعصام الزدجالي والأخير لم تتح له الفرصة كافية لأن يفجر طاقاته الكوميدية.
وربما لو أتيحت لهذا العمل فرصة إقامة ندوة فنية حوله تطرح من خلالها كافة الرؤى حول الإنتاج والتصوير والإخراج والتمثيل، لربما سيقدم رؤية أكثر جودة في الأعوام القادمة في حال استمراريته.
ولكن لنعد للإشكالية التي تواجهها الدراما العمانية، والتي على إثرها تم تشكيل لجنة لدراسة أوضاعها وكيفية الخروج بها إلى مناطق الضوء التي تعيد لها حراكها الذي كنا نعيشه قبل عدة سنوات..
والإشكالية الأهم للدراما العمانية هي عدم وجود أساس لها! هذا الأساس يتمثل في عدم وجود مسرح حقيقي في البلد، فالمسرح برغم أهميته الثقافية العالية في كل الدنيا إلا أنه في عمان لا يشكل شيئا حقيقيا، وبرغم وجود ما يزيد عن 17 فرقة مسرحية إلا أن هذا ليس كافيا.. فكما ذكرت سالفا: لا توجد حتى الآن ثقافة فنية لدى الممثل والفنان ذاته فكيف يمكن أن تكون هناك ثقافة لدى الآخرين؟ كما أن المؤسسة الرسمية المعنية بتنظيم فعاليات وتظاهرات تجمع هذه الفرق وهؤلاء الفنانين لا تقوم بشيء حقيقي، حتى المهرجان الذي كان يقام كل عامين وأقيم منه حتى الآن مهرجانين، يمشي برجل تبدو مكسورة، والسبب الظاهر هو عدم وجود مبنى مسرحي، والمبنى الوحيد قد تصدع وكان فقط مبنى للشباب الذين بدورهم اختفى مهرجانهم المسرحي الذي يعنى بفرق الشباب المسرحية في المناطق المدعومة من المؤسسة الرسمية والتي تخرج فنانين لا نقول مؤهلين تماما بل مطلعين على أقل قدر على هذا العالم البديع..
أضف إلى ذلك ما يعانيه المسرح من رقابة مضاعفة ومن قلة إمكانيات لدى الفرق، ومن عدم إيمان القطاعات الأهلية ذات المقدرات المالية بشيء اسمه مسرح، حتى وإن كان يمكن أن يشكل لهذه القطاعات دعما إعلانيا جيدا.
المسرح هو الأساس، وبدون مسرح لا يمكن للدراما العمانية أن تتطور ولا حتى أن توجد لدينا سينما مستقبلا، فمن خلال أبي الفنون تخرج الفنون الأخرى، ويخرج للنور مبدعون جدد.
عليه فاللجنة التي تم الإعلان عنها ينبغي عليها أن تنظر قبل كل شيء في هذا الكيان: المسرح، وترى ما يعانيه من إشكاليات ومصاعب، وكيف يمكن تخليصه من الشوائب، وجعله متحركا باتجاه الناس والمجتمع بدلا من أن يكون موسميا بل أقل من الموسمي!
إنني لأطمح فعلا أن أرى إنجازات فنية متقدمة بفعل هذه اللجنة التي أستبشر بها لأن تصحح الوضع الإبداعي في هذا المجال، خاصة أنه إبداع جماعي ويحتاج إلى صرف مالي جيد لا يقل عن المليون ريال التي طرحتها الكاتبة آمنة الربيع قبل مدة في أحد مقالاتها.

السبت، 20 سبتمبر 2008

مشتبهات!!



أما بعد،،،
ففي رمضان يكثر الحلال والحرام، وما بينهما متشابهات أكثر تعقد المسألة في ظل الفضائيات التي هرمت هذا العام ولم تعد تغري أحدا بالمتابعة، فالخليجيون، الذين كانت لهم صولات وجولات في السنوات القليلة الماضية مثبتين للأخوة العرب أن الإبداع ليس حكرا على ما قد تعارفوا عليه بمسمى المركز، قد تاهوا هذا العام ولم يقدموا ما يغري الناس البسطاء على المتابعة، حتى إن أكثروا من الفلفل والبهارات المبكية على اعتبار أننا جيران واضحون للحضارة الهندية المعتمدة في بوليودها بالدرجة الأولى على البكاء! فبكائيات الخليجيين في مسلسلاتهم هذه المرة ومبالغاتهم في خدش الحياء وحتى تهريجهم لم يقبض على عين المشاهد ولا قلبه وإحساسه.
وأما الأخوة المبدعون في القطر السوري الشقيق فقد انكشفوا هذا العام، ووضح استسهالهم وعدم انفتاح أفق الإبداع الدرامي لديهم، إذ ظلت الحارة الدمشقية هي صاحبة الحضور الطاغي، بالأبطال إياهم الذين رأيناهم في حارات دمشقية أخرى، ويبدو أن عليهم أن يعيدوا الخلطة الخاصة بهم فالناس لم تعد تتابع بعدما كانت الصورة البصرية والأداء والفعل الدرامي سر أسرارهم الذي أزاح أسياد الدراما العربية، مذ أواسط الستينيات وحتى الانطلاق البشع الذي حدث للفضائيات العربية مع بدء الألفية الجديدة، المصريين الذين تعودنا على صورتهم الفنية وحبكتهم الإبداعية وقدراتهم المتنوعة، أزاحوهم إلى الجانب سيما مع ظهور مصطلح الكتابة لنجم أوحد قبل ما يقارب الثمان سنوات..
تسيدوا الأخوة السوريون في الدراما مدة من الزمن عندما لم يكن سواهم يقدم الدراما بطريقة مختلفة، ثم جاء الخليجيون ليعيدوا التوازن للمعادلة، ثم ظهرت الفضائيات برأس مال غالبه خليجي لتبني فصول إمبراطورية إنتاج جديدة تتحكم فيها رغبات جذب المعلن دون مراعاة لما يفترض أن تقدمه من رسالة فنية وإبداعية واجتماعية للمجتمع
تخلف المصريون، بسبب عدم قدرتهم على رؤية الدائرة من عمقها، ولأنهم ظنوا أنهم مازالوا قادرين على أن يسيطروا على الساحة، لكنهم عندما بدأوا يكتشفون السر أعادوا الأمور على نحو أو آخر إلى حيز التوازن لمثلث الإبداع العربي: خليجي، شامي، مصري، وبدأ الفنانون العريقون يكتشفون الخلطة الحقيقية لكسب عين المتفرج، خاصة في ظل التكرار الذي تمارسه الشاشة السورية، وإصرار الخليجيين على كشف عورتهم بنقاشاتهم الدرامية غير المنطقية والمبالغ فيها دون أن يلجوا حقيقة إلى عمق المسألة وكأنهم ما زالوا لا يعرفون ما يريدون..
وفي هذا العام انكشف الجميع وباتت الدراما العربية تمر بمرحلة مخاض حقيقية في ظل نور ومهند التافهين اللذين برغم تفاهتهما جذبا كل امرأة إليهم وكل مراهق!!
ماذا يمكن أن نرى في الغد؟ سنرى أمورا متشابهات يصعب أن نجد فيها الحلال من الحرام، ما دام ليس هناك وضوح للرؤيا، ولا وضوح للفكرة أصلا سوى تغذية القنوات الفضائية وشركات الإنتاج العربية بمال الإعلانات والتي أيضا لا تتوجه إلى الناس العاديين فهم فعليا لا يمكن أن يشتروا حجرا في جزيرة من جزر الإنسان الجديدة!
ويبدو أن الدراما العمانية برغم كل عللها ستكون لنا نحن العمانيين فرجتنا الأثيرة، وسننادي بعودة صالح وسعود حتى من تحت التراب لا قدر الله لأننا سنشتاق إلى أن لا يقطع على متعتنا إعلان سخيف ليس لنا، وسنشتاق إلى السذاجة والطرح البريء الذي يمارسه علينا جهازنا التلفازي الوحيد في البلد!!

الأحد، 14 سبتمبر 2008

كل ما تريد، إلبس ما يريدون!!



أما بعد،،،
فبالرغم من أن الصورة، صورة المثقف، المثقف العماني بشكل أوضح، تأرجحت وتحركت عن موضعها بفعل فاعل بطبيعة الحال ليس هو المثقف ولا، ربما، أحد أقربائه؛ إلا أنه بعد هذا التحريك أزبد وأرعد، ورأى أن في ذلك مهانة ما بعدها مهانة! فهو الآن عريان ولا حتى ورقة توت على عورته البشعة!! غاضب لأن أحدهم قام بذلك الفعل، وكشف كل الأوراق التي كان يحاول مثقفنا العزيز أن يخفيها، وقال بأنها الجريمة التي لا تغتفر! فالآن لن يصدق أحد ذاته المتضخمة من أجل الناس والمجتمع وليس من أجل نفسه! لن يصدقوا مقولاته عن الحرية والمساواة والتشارك في الثروات ولا حتى الثورات! لأن صورته اهتزت، وأصبح هو عاريا الآن من كل مبدأ!!
هو غاضب الآن ليس فقط لغضبة الناس والمجتمع منه، بسبب التعري الفاضح، بل لأن الناس أصلا لا تصدق أن ترى المثقف على حقيقته حتى تبدأ تجلده بأثقل أنواع الكلام، الذي يساقط على القلب فيدميه حسرة وغما!!
المجتمع يريد من المثقف دائما أن يحافظ على الصورة التي يراها هو، يرسمها ويبروزها في ذهنه، ولكنه لا يسامح مطلقا في حال انكشف المثقف/ المثال وبدا في شكله الطبيعي. يريده دائما أن يكون كما يريده هو، لا كما يريد صاحب الشأن! ويبدو أن هذه الإشكالية نابعة من ثقافة المجتمع ككل، فالمثل الدارج يقول فيما معناه بأنه مسموح للإنسان أن يأكل ما شاء ولكن لبسه ينبغي أن يكون وفق ما يريدون هم!
المثل على بساطته يقول لنا بأن الإنسان لا حرية له إلا فيما يأكله، بالأحرى فيما هو خاف عن الناس، كالأكل مثلا! ذلك شأن لا يعنيهم، ولكن ما يعنيهم ألا يلبس إلا وفق هواهم، ألا يفكر خارج عن إطار رغباتهم، أو توجهاتهم، وأن يكون بياض دشداشته هو ذاته البياض الذي لدى كل الناس، فإن اتفق هؤلاء الناس على ارتداء اللون الوردي مثلا كدشداشة فبياضه ساعتئذ بياض خارج عن أهوائهم ورغباتهم!
فكيف وهو فعليا وعمليا يفكر خارج سياقهم؟ لقد ارتضوا نوعا ما بأن يكون هكذا، لأنهم فعليا يتقبلون الشاعر الأديب ويؤمنون في دواخلهم بأدواره الطبيعية في المجتمع، حتى وإن أنكروا هذا الأمر على نحو أو آخر، ولذلك يتقبلونه على مضض، لكن أن يتمادى في خروجه عليهم فهذه كبيرة من الكبائر وعليه أن يتوب ويؤوب إلى رشده، فالصورة التي هم شكلوها له لا ينبغي أن تخرج عن الإطار الذي وضعوها فيه، وإن حاول أحدهم أن يزحزحها، فبكل تأكيد المثقف هو الملام لا أحد سواه.
المشكلة الكبرى هي أن هذا الكائن المتمرد المتضخم الذات الذي اتفق جمع منا على تسميته بالمثقف أو الأديب الشاعر القاص الكاتب، حتى إن انتفت عنه كثير من هذه الصفات وبقيت صفة جمع المعلومات الثقافية العامة فهو في نظرهم مثقف، وإن لم يكن متمردا بذلك الشكل الكبير، هو الذي يتنازل عن أدواره الحقيقية ويصر على أن يهادن المجتمع، بدعوى أن ما قد يفعله هو الخروج عليه وهو كائن تكفيه خساراته الفادحة في الحياة وليس له قدرة على المزيد منها! برغم أنه كائن متمرد وقد خرج على نحو أو آخر على ثيمات المجتمع وقراراته وأحلامه، لكن ما باليد حيلة، فالصورة التي ارتضاها المثقف لنفسه هي المطلوبة في الختام، حتى إن كان سيخسر نفسه أمام نفسه، سيخسر جزءا كبيرا من نضاله ضد ما يعتقد أنه صائب لأن المجتمع يرفض ذلك، متناسيا أنه قوة بإمكانها التغيير حتى بالمجابهة!

السبت، 6 سبتمبر 2008

عندما تدحرج الصورة عن موضعها!





أما بعد،،،
فالمثقف العماني أعزائي ليس كائنا عاديا، إنه المثال المشرف الذي ينبغي علينا أن نحذو حذو أفعاله، علينا أن نرى في تصرفه تصرفا مبتكرا قادرا على إعطاء معنى للحياة التي نعيشها، مثله في ذلك مثل كافة المثقفين العرب، هؤلاء الذين يضحون من أجل أوطانهم، من أجل مواطني مجتمعاتهم، يرهقون عقولهم وأجسادهم من أجل أن يوصلوا مجتمعاتهم إلى الضفة الأخرى من النهر! ذلك النهر الذي إن وقعت فيه أيها المواطن؛ فإنك لا محالة واقع في جهلك وتخلفك الذي دائما ما يحزن مثقفينا الأعزاء!
المرة الماضية تحدثت معك حول صورته التي لا ينبغي أن تعكس إلا المثالية والثقل في حياته، ذلك الثقل الكبير الذي من خلاله يؤسس مثقفنا لشكل مميز من أشكال الحياة التي ينبغي أن نتبعها! والغريب أن هذا الثقل أكثر ما يبرز فإنه يبرز عند المثقف العماني دون سواه، فخذ مثلا لديك نمط حياة المثقف العربي في بلد كالعراق التي أنجبت على ما لديها من أزمات وكوارث مثقفين ما زالوا يؤسسون لحراك مميز اتفقنا معه أم اختلفنا، وهم في غالبهم لا يحاولون أن يكونوا ثقيلين في صورتهم، بالأحرى لا يزيفون معيشتهم من أجل أن ينظر الناس إليهم بنظرة أخرى غير الواقعية التي هم عليها، والأمر كذلك مع المثقفين المغاربة والتوانسة وربما الصوماليون!
وقد أكون مبالغا في ذلك، ومجحفا لأقرانهم العمانيين، كونني لم ألتق كثيرا بأطياف مثقفة من العراق أو من بلاد المغرب العربي، مما يعني أن كلامي به جانب كبير من القصور، ولكنني أعتقد، والاعتقاد نصف الحقيقة ونصف الوهم! أعتقد أنهم لا يبالغون في ردة فعلهم لشرخ الصورة التي ينبغي أن يكونوا عليها لأنهم لا يهتمون كثيرا بصورتهم في مرآة المجتمع الذي يعيشون فيه، وكما قلت فهذا اعتقاد، فيه الصواب وفيه أيضا، ربما، الخطأ!
ولأعد لمثقفنا العماني العتيد الذي ذكرت أنه يحب أن تكون صورته ثقيلة لأنه يعيش ضمن إطار ثقافي ونسيج اجتماعي يدققان جيدا في كل فعل أو تصرف يقوم به على أساس أنه كائن مثقف يعيش من أجل الناس، وعليه فإن الصورة لابد أن تكون مثالية حتى لو كان تصرفه الثقيل ذاك منافيا لطبيعته الحقيقية في أعماقه!
ماذا سيقول عنه الناس إن اكتشفوا مثلا أنه لم يقم بعمله الوظيفي بالشكل المطلوب؟ أو أنه لم يحظ المناسبة الفلانية بالزي الرسمي المتمثل في مصر وخنجر أو في أقل الحالات كمة تستر عورة الرأس؟ ماذا ستكون نظرتهم إن قال أحدهم يوما في صحيفة ما بأنه (وهو الذي يشغل منصبا ثقافيا مرموقا) ذاهب لقضاء إجازة في بلد من بلدان العالم ولم يخطر أحدا من إدارته الثقافية بذلك؟ أو نشر أحدهم عنه صورة بملابس رياضية وهو يمارس المشي على شاطئ القرم؟ أو رآهم أحدهم مع عشيقته في مطعم بيروت بالقرم؟ ألن يظنوا ساعتها بأنه يستهزئ بهم؟ ويركل كل همومهم إلى الوراء غير معني إلا بذاته؟ بل سيفعل آخرون اكثر من ذلك عندما يبدؤون في لومه على تصرف ما قام به هم يرونه خارجا عن إطار الكياسة والوضع الثقافي الذي ينبغي أن يكون هو عليه.. لذلك فكثير من مثقفينا الأعزاء يسكرون ليلا ويرتدون أزياءهم الرسمية صباحا دون أن يعلم أحد بحياتهم السرية تلك كي لا يلطخون تاريخهم العفيف!
وفي الحقيقة أيها الأعزاء أنا لا أزعم بأني صائب فيما أقوله الآن، ولكن ألا ينبغي فعليا أن لا يتجهم هذا المثقف لمجرد أن صورته العتيقة دحرجت من إطارها قليلا ووضعت بها بعض اللمسات من مواطنين أيضا، باحثين عن أشياء تخفى عنهم وهي حقيقية وغير مؤذية بطبيعة الحال لأنها تمس الكائن المثقف بذاته؟
ألا نحتاج إلى أن نتعامل مع الأمور بقليل من المرونة، وخاصة من قبل المثقفين، الذين ينبغي أن يكونوا هم من يعلمون المرونة وتقبل الأفكار مهما كان اختلافهم معها؟ لكن أين يمكن أن يحدث هذا والمثقف العربي أينما كان لا يمكن إلا أن يرى نفسه فقط ؟!

الخميس، 4 سبتمبر 2008


بيان
الجمعية العمانية للكتاب والأدباء
بشأن تعرض بعض الصحفيين العمانيين للاستجوابات
31 أغسطس 2008م



انطلاقاً من المبادئ الأساسية لدولة المؤسسات والقانون المعاشة واقعا ملموسا، والتي سعى إلى ترسيخ دعائمها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – وتحت ظلال النظام الأساسي للدولة الذي كفل الحقوق، وفصل الواجبات الوطنية، وضمن الحريات العامة، وفي عالم أصبح يقدر قيمة الإنسان ويعلي من شأن وعيه وعقله ويحرص على تنميته الشاملة، ومع تنامي أهمية الحريات العامة وتأصيلها كسلوك حضاري في بناء الدول الحديثة، وفي ظل الإيمان بحرية الكلمة من أجل الإنسان.

فإن الجمعية العمانية للكتاب والأدباء تعبر عن بالغ أسفها لما تعرض له بعض الأخوة الكتّاب والصحفيين من استجواب من قبل مؤسسة هي سياج القانون وحامية المجتمع، وهم الذين لم يقترفوا إلا ذنب الكتابة والمشاركة بالرأي الحر في جهود التنمية التي تشهدها البلاد بما تمليه عليهم ثقافتهم وأفكارهم وضمائرهم الحية، مدفوعين بالواجب الوطني ومحافظين على التقاليد الراسخة للمجتمع العماني والتي بات يدركها ويحرص عليها الجميع كعدم مس الذات الإلهية أو ذات المقام السامي رمز الوحدة الوطنية وعدم إثارة النزعات المذهبية والطائفية.
إن هذه الاستجوابات التي استهدفت الكلمة الحرة والناقدة بأدب ورشد وحكمة وواجب ومسؤولية. لم تأخذ في الاعتبار الإجراءات القانونية التي كفلتها قوانين البلاد. إذ لا مبرر لتكميم أفواه أبناء الوطن من قول كلمتهم فيما يرونه مناسباً لحاضرهم ومستقبل أجيالهم. في الوقت الذي يحرص فيه جلالة السلطان المعظم حفظه الله على مبادئ الشراكة الواعية والمقدرة لجميع الطموحات والتطلعات وهو الذي دعا إلى عدم مصادرة الفكر إيمانا منه بأهميته كركن ركين في مسيرة بناء عمان.

إن مثل هذه التصرفات من شأنها أن تسئ لسمعة البلاد وأن تؤثر سلباً على مسيرة العمل الوطني القائم على الشفافية والجهد الناضج المسئول، وتتسبب في خسارة كفاءات تحتاجها الدولة لتجويد الأداء وتحسين الإنتاج وهي التي قطعت أشواطاً مهمة في بناء الإنسان وتنميته وإعلاء شأنه والتي كانت وما تزال محل تقدير العالم والإشادة به في مختلف المحافل الدولية.

عليه فإن الجمعية تستنكر وبشدة مثل هذه التصرفات والتي لا تعبر عن توجه عام ولا تتناسب مع المرحلة التي يمر بها العالم من تطور في مجال الحريات والعمل المدني والمؤسسي. وترى الجمعية أن من حقها المحافظة على حقوق الكتّاب على هذه الأرض الطيبة وبالطرق والوسائل التي كفلتها القوانين والأنظمة .كما تؤكد على جملة من الحقوق المشروعة التي حفظها النظام الأساسي للدولة لجميع العمانيين دون تمييز ومنها:


1. التأكيد عل حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير وفق ما نصت عليه المادة 29 من النظام الأساسي للدولة.
2. عدم المساس بحرية الصحافة والطباعة والنشر والتأكيد على إيلاء كرامة الإنسان وحقوقه اهمية خاصة. حيث لا قيد على الحرية إلا المزيد منها. وفق ما نصت عليه المادة 31 من النظام الأساسي للدولة.
3. التأكيد على حق المواطن العماني في مخاطبة السلطات العامة فيما له صلة بالشؤون العامة وفق ما نصت عليه المادة 34 من النظام الأساسي للدولة.


كما تؤكد الجمعية في ختام بيانها هذا على أهمية احترام حقوق الصحفيين والكتاب وما يبذلونه من جهود في مسيرة البناء والتعمير التي تشهدها البلاد.
حفظ الله عمان وقائدها وأهلها ودامت لهم واحة أمان واستقرار ونعمة.


الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء

السبت، 30 أغسطس 2008

صورة رجل ثقيل لا يحب المزاح!


أما بعد،،،
فإنه لمن المدهش جدا أن تكون مثقفا وتتمتع بحس الحياة! بحس الدعابة على وجه الدقة دون أن تثار إذا ما صفعك أحدهم بنكتة خفيفة أو بمقلب ما!! لذا توصلت إلى اكتشاف مهم هو أنه من الأفضل لكم ألا تكونوا مثقفين! لأن ذلك سيفقدكم حس البراءة في التعامل مع الأشياء، ولحظتها ستكفون تماما عن الضحك والمزاح لأن لكم صورة "ثقيلة" يجب أن تظل تمارس ثقلها السمج والفظ!
والمثقف العماني واحد من هؤلاء وهو فعليا يعاني من عقدة هي أنه لا يريد أن يظهر بمظهر الإنسان المرح الذي يمزح ويضحك مع العامة والذين من حوله لأن له صورة لا ينبغي أن تنكسر! صورة الإنسان المهموم بمسائل الحياة الثقيلة وهموم الناس، والبحث لهم عن إجابات لمسائل معيشية متنوعة تبدأ بالبحث عن الخبز ولا تنتهي عند البحث عن منزل للسكن!
هو هكذا يعيش حياته: ناقما على الأوضاع التي قادت الأمة كلها إلى السقوط في هوة السطحية والتمزق الإنساني، ومحملا الحكومة ورجالاتها مأساة المجتمع المعاصر، ومطالبا في كل أوجهه بالعدالة وبحقوق المواطن، وبالأساسيات الصغيرة التي لابد لهذا المواطن أن يحيا بها!
ومن أجل ذلك فهو يبقي على صورته الكبيرة والثقيلة، ويلمعها محاولا ألا يصيبها أي خدش من أي نوع، لأن ذلك الخدش هو خدش لإحساس المواطن البسيط الذي ينظر إليه على أنه شيء كبير يجب أن يحترم (بالطبع هذا نوع، وثمة أنواع لا تعنى بأن تجلب لنفسها الاحترام لأنها تمارس حياتها الشخصية أولا ولأنها هي الصواب المطلق الذي يجب إتباعه والإيمان الخالص به، سواء في بار أو في شارع!)
وهذه الصورة العمانية هي صورة لأغلب المثقفين العرب: مثقف يعيش على حافة الحزن لا من أجل نفسه، بل لأن الانكسارات العميقة التي تعيشها الأمة هي ما يجعله يعيش هكذا محزونا منكسرا غير قابل لأن يمرح قليلا أو يسري عن نفسه بمداعبة ما مع أناس مثقفين مثله أو عاديين، ومن أجل أن يكسر حزنه العميق من مجتمع يضيع عليه أن يشرب أكثر وأن يسب العالم الذي من حوله: بدءا من الحكومات التي تتعامل مع المشاريع الغربية الرأسمالية أو الاشتراكية، وأن يسبك أنت أيضا أيها المواطن لأنك إنسان تافه لا تملك عقلا تدير به حياتك أو تثور به على أوضاعك البائسة، ولأنك تفكر فقط ببساطة في لقمة العيش وكيف تربي أبناءك على الفضيلة وعلى العادات والأخلاق التي يراها مثقفنا "الثقيل" بأنها من مخلفات الحضارة الإنسانية!
لذا لا تحاول أيها المواطن أن تضحك مع هذا الإنسان لأنك تجرح له مشاعره الوطنية التليدة، وشعوره بأنك في أزمة هو معني بها، وبإيجاد الحلول الخاصة والعامة بما يتوافق مع عقليتك التي بكل تأكيد لا تصل إلى عقلية هذا المرهف الحس مطلقا! لا تحاول أن تضاحكه في يوم بنكتة أو بمزحة لا خفيفة ولا ثقيلة، ولا تكلمه كلاما عاميا لا متقعرا ولا معتدلا، بل كلمه بفصحى وسط إن أمكن لأنك تهينه في أفعالك تلك وتجرح كبريائه الذي ما كان سيوجد إلا من أجلك أيها المواطن! لا تلتقط له صورة غير التي هو عليها: صورة رجل ثقيل يجب أن تظل صفحته الإعلامية بيضاء دون أن توجه له نقدا ما أو تهكما من أي نوع، أو حتى تنشر صورة لك معه وهو يقبلك على الخد ضحكا، لأنك تهينه بذلك وتدمر صورته الوقورة.
وكن على يقين عزيزي المواطن: المجتمعات التي تخلو من مثقفين؛ هي مجتمعات محظوظة، ومن الأفضل أن تشد إليها رحالك لأنك لن تضطر إلى رؤية أحد من هؤلاء الذين لا يحبون حياة المرح، وإن وجدتها في رحلتك فأرجو أن تخبرني عنها وتدلني على طريقها كي أفر من وجوه المثقفين ثقيلة الظل والبليدة التي أشاهدها في حياتي كل يوم!

الأحد، 24 أغسطس 2008

من شرفات إلى أقاصي، من أقاصي وأخواتها إلى شرفات!


(مقال رفضته أسرة تحرير شرفات، لأنه يوجه نقدا ما!!)



منذ الأشهر الأخيرة في عام 2006م، في تلك السنة الثقافية، بدا أن مرحلة من التقهقر بدأ يعانيها ملحق شرفات في المجمل، لا لشيء، فقط لأن الكتاب المعتادين الذين ما فتئوا يطرزون صفحات الملحق بإبداعهم وكتاباتهم ـ التي أثبتت بلا شك أن العمانيين أيضا يمتلكون قدرة الكتابة وليسوا فارغين كما يحلوا لبعضهم أن يلصق ـ قد انصرفوا يائسين على ما يبدو من إيجاد حالة ثقافية صحية جيدة على صفحات الجرائد، بعدما وجدوا أصواتهم محاصرة ضمن أطر دائما ما تحاول أن تضيق على المبدع أينما كان، وبالذات في بلاد لا تعتبر الثقافة إلا ترفا زائدا لا حاجة للمجتمع له!
في هكذا مناخ نشأ تراجع هائل لملحق شرفات الذي كان الاسم الثاني من بعد مجلة نزوى يرتفع في كلام متابعي الثقافة من الخليج إلى المحيط ومن المحيط إلى الخليج (هذه النقطة بالذات ليست إدعاء زائفا وإنما حقيقة يمكن لمن يشكك بها أن يذهب للسؤال بين كثير من أوساط المثقفين العرب)
سبب هذا التراجع كما ذكرت، هو ذلك الانصراف المدهش والكبير لمن كانوا يكتبون في الملحق، أسماء لها رصيدها الإبداعي وثقلها الثقافي، ممن يتضايق البعض الآن من ذكرها حتى ضمن مقال عابر كهذا المقال، والذي لا أريد له شطبا من الوهلة الأولى بذكر تلك الأسماء الفاعلة، لأن أحدنا ليس بمقدوره إلا الإنصات لصوته الداخلي فحسب، ويظن كل الظن بأن الصوت الآخر ما دام مفتتا لفكرته هو، ونافيا لها ومضادا كبيرا لها، فإنه خطر ينبغي تجنبه وعدم ذكره (هذه ليست إشكالية ثقافية حاضرة عند مثقفينا الأعزاء أو من هم أنصاف مثقفين متحكمون على نحو أو آخر في ما ينبغي قوله أو ما لا ينبغي في الواجهة الإعلامية أيما كانت بل هي حالة موجودة في كل المجتمعات العربية، حيث ينزوي المثقف متخليا عن أدواره مكتفيا بالتزمت والتذمر وإبداء الحزن على وضعية مجتمع ضائع والتي يبددها بالدخول في أجواء السكر والشراب)
أيضا فإن الأمور المادية التي تم تقليصها عن البعض وسحبها من البعض الآخر، والمماطلة فيها وكأنما هذا الكاتب الذي يقدم كتاباته للملحق ليس عليه سوى أن يكتب دون أن ينتظر أجرا، وعندما يسأل يشار إليه بأنه مثقف مادي! ويتناسى المحرر المحاسب بأن الكاتب أيضا يجتهد في الكتابة من أجل يخص الملحق بمادة له وحده دون غيره، وبأن يساهم في رفع قيمة الجريدة التي تبحث عن إعلانات لكي تعيش هي الأخرى والتي لا تأتي إلا من خلال طرح مواضيع تجذب القارئ ومن خلال أسماء كتاب لهم جمهورهم الذي لن يتوانى في البحث عن الجريدة والقراءة لمن يحبه من الكتاب (هذه النظرية تبدو مفقودة في الإعلام العماني، فحتى المعلنون لا يفكرون هكذا بمقدار فكرتهم بأن كثيرا من إعلاناتهم هي دعم للجريدة وأيضا ابتعاد عن الألسن الصحفية!)
كذلك عدم وجود محرر ثقافي عارف بالعمل الصحفي وممارس جيد له وقادر على التعاطي مع مختلف الأوجه الثقافية والأطياف الكتابية دون انحياز لأحد دون الآخر، ودون تكاسل في العمل الصحفي، جعل من المحلق أيضا يتراجع تراجعا جعله يصبح كل أربعاء بلا أهمية واعتياديا أكثر من أي ملحق صحفي معني بالثقافة ينشر في الصحف الأخرى، بل إن المادة التي تنشر فيه في كثير منها تبدو أقل من مستوى صفحة بريد القراء، التي تهتم بدعم المحاولات الكتابية في طورها الأول وتدعم أولئك القراء الذين لا يفكرون سوى في إبداء الرأي في أمر ما، وفي حالات غالبة لا يسعى هؤلاء القراء العاديون لتطوير ما قد يبدو ملكات كتابية جيدة، ولا حتى محرر الصفحة إياها يعمل على دعمهم وتشجيعهم بكلمة قد تكون هي البارقة التي يحتاجها ذلك القارئ الكاتب العادي.
ونحن هنا لسنا في صدد الحديث عن مثل هذه الصفحة، بل كان مجرد تشبيه أعتذر مسبقا عن طرحه لكافة القراء العاديين، أعتذر عن مقولة أن ملحقا ثقافيا موجها للنخبة يتحول تدريجيا إلى ما يشبه صفحات بريد القراء!
هكذا تحول شرفات في نهايات العام الثقافي إلى ملحق ضعيف في مادته الثقافية وليس به محتوى صحفي ثقافي كالحوار والاستطلاع وقراءات الكتب والبحث وراء جماليات الأشياء (حتى في البدايات وإلى تلك اللحظة بدت هذه الاشتغالات الصحفية غير موجودة في المجمل، وهي كذلك لسبب يبدو جيدا، وهو جعل الملحق منبرا للمثقف العماني الذي لم يكن يجد أي منبر للنشر الثقافي الرصين، وأيضا يبدو عدم وجود كادر تحريري ثقافي مؤهل سببا واضحا لتلك القطيعة مع فنون صحافية يحتاجها ملحق كشرفات)
أنا شخصيا لم أعد متابعا جيدا للملحق، بل إنني تخليت عن تلك العادة: عادة أرشفة كل الأعداد في ملف خاص بها، والتي بدأت مذ كان محلق شرفات ملحق عمان الثقافي، مذ عام 1997م تحديدا، عندما كان يصدر كل خميس، ثم مع في بدايات الألفية الجديدة أصبح يصدر كل أربعاء، ثم حل الملحق الجميل شرفات ليكون شرفة ثقافية لا تطل على عمان فحسب بل على كثير من البلدان العربية.
في تلك اللحظات أيضا ظهر إلى الوجود هذا الملحق: أقاصي، وكانت النكتة: ملحق داخل ملحق وهي حالة لأول مرة تحدث في اشتغال صحفي!
لكن لم يكن من مانع ما دام المحلق الداخلي سيجعل من الملحق الكلي ملحقا ثقافيا جيدا بعدما توالت انكساراته في عام يفترض أنه عام ثقافي.. بل إن الجميل حقا هو أنه كان سيورد نصوصا قصصية وسردية، وحوارات صحفية، واستطلاعات وانتقاءات أدبية، وأخبارا معنية بالقاصين العمانيين، بشؤونهم وإبداعهم، وكذلك كان سيورد مقالات تبدو نقدية تسلط الإضاءة على تلك الإبداعات التي ينتجها القاصون وينشرونها!
كان يمكن أن يكون ذلك، ولكن واقعا كان أقاصي الملحق الداخلي يعاني في غالب الأحوال من ضعف مادته الثقافية، بل بكونه ملحقا ضمن ملحق كان يزيد من كمية سوء الملحق الكلي: شرفات، الذي يمر بأسوأ أيامه!
أقاصي كان يمكن له كملحق مختص أن يقدم شيئا مختلفا في الحراك الثقافي الصحفي، ولعل فرصته كانت في تقبل شرفات الملحق الكلي لصياغتين أخريين: الجسر ومن ثم نون، ملحقان داخليان أيضا، كان يمكن بوجودهما أن يظهر أقاصي بشكل أكثر قوة، وكذلك الملحق الكلي شرفات، ولكن الضعف العام الذي أيضا كان يساور الملحقين الإضافيين الجديدين، جعل سمة الضعف متلازمة للكل، وكأنما الحسنة تخص والسيئة تعم!
الكلام السابق لا ينفي أن الملاحق الثلاثة الداخلية كانت تشكل حالة صحفية جيدة في فكرتها العامة، وتقدم في كثير من الأحوال مادة ثقافية لا تقل جودة عما كان ينشر في شرفات الملحق الأصل قبل عدة أعوام، غير إن عدم وجود الدربة الصحفية والتفرغ الكافي جعل منها ملاحق تساهم بشكل أو بآخر في صنع ضعف عام، سيما في ظل الفكرة المستمرة إياها: ملحق داخل ملحق، وشكل داخل شكل!
هذا في حال التجزيء، لكن إذا ما نظرنا إلى الأمر بكلية، إلى شرفات على أساس أنه الملحق الأشمل الذي يمكن له أن يحتوي داخله ما يشاء من "ملاحق" ثقافية تقدم مادة جيدة، لقلت أيضا بأنه عموما ملحق مصاب بالضعف، ليس لأنه فقد بريق أسمائه التي كانت تكتب فيه فحسب، بل أيضا لضعف المستوى التحريري فيه، والاكتفاء في مرحلة معينة بالمقالات والنصوص فقط دون إضفاء صيغة تحريرية تمارس عمقا في الطرح، وتحاول أن تماشي تلك المقالات المطروحة، والتي على ما يبدو كان همها أن تعبئ الصفحات الفارغة فقط، سيما عندما يكون العدد فارغا من أحد الملاحق الداخلية الثلاثة.
ضعف الإخراج الصحفي، وافتقاره للجماليات الفنية الحقيقية جعل الأمور تزداد سوءا وضعفا سواء من حيث الإخراج العام، أو من حيث استقلالية الملاحق الداخلية الثلاثة في صيغتها الإخراجية محاولة الخروج من ربقة شرفات وإيجاد كينونة خاصة بها.
وكما أعرف أن الإخراج الصحفي ضرورة ملحة من أجل جذب القارئ للمادة، حتى إن افترضنا أن تلك المادة ضعيفة المستوى، فالمهم هو الشكل العام قبلا، والناس لا تقرأ المادة بل يجذبها الشكل المتناسق قبل كل شيء كما أفترض، وعلى الأقل هذه وجهة نظري.
إذن فكل الأمور كانت تسير إلى تقهقر وتراجع حتى بدت كوة النور تخرج بعض الضوء عندما انتقل شرفات ككل إلى فكرة مؤداها أنه ملحق واحد وما يحتضنه لا يجب أن يشذ عن تلك القاعدة، حتى على المستوى الإخراجي، وهذا الأمر ربما أزعج القائمين على أقاصي والجسر ونون، دون أن يدركوا جميعا أن الوحدة الجمالية تقتضي أن ينساقوا ضمن بناء واحد دون إخلال به، بناء لا تخرج منه النتوءات، مما سيساهم بشكل أو بآخر في إضفاء قوة على مواد الملاحق المصطنعة في داخله.
التحرك نحو التجديد جعل الملحق مقروءا ككل مجددا، ولم يفتته إلى جزئيات قابلة للفصل، وما بات في أقاصي منشورا، فهو أيضا في شرفات، والأمر إياه عند المحلقين المرفقين الآخرين.
كما أن نزعة التحرير المركزي لم يخول المشرفين على مواد المرفقات الثلاثة أن ينشروا ما هب ودب، دون أن تكون هناك رؤيا قائمة على البحث عن ما هو جيد للنشر ضمن نسق عام لا يخل بشرفات الكلي، وكما أنا وجود مادة صحفية تتمثل في قراءات الكتب والجماليات عموما، وإيجاد حوارات ثقافية، واستطلاعات صحفية جيدة، وإيجاد عمود تحرير وأخبار وعمود صحفي متوزع على الجميع، ساهم بكل تأكيد في صحوة شرفات، تلك الصحوة التي بكل تأكيد ستسهم بشكل أو بآخر في جعل أقاصي المرفق مادة ثقافية جيدة وقابلة للاحتفاظ.
كل ما أتمناه هو إيجاد صحفيين ثقافيين، قادرين على أن يقدموا مادة صحفية ذات طابع ثقافي مميز، وليسوا مجرد موظفين قائمين على جمع مواد لا تمثل في حقيقتها إلا أقل من الثلث في العمل الصحفي الثقافي..
وفي كل الأحوال تنبغي كلمة شكر لمن فكر في التطوير، ولمن ما زال يساهم في دعم هذا الملحق، وبالطبع فالشكر الأكبر لمن بادر يوما بصناعة ملحق يضفي حراكا ثقافيا مميزا في ساحة تفتقر إلى أقل الأشياء: وعي المثقف بطبيعة دوره في المجتمع، ومؤسسة ثقافية حقيقية!

السبت، 23 أغسطس 2008

مع الطيران العماني!



أما بعد،،،
فجميل أن تسافر على متن الطيران العماني في رحلات سفر داخلية وخارجية، فأما الداخلية فأنت ملزم بها وفق مقولة السيادة الوطنية التي سمعتها وقرأتها قبل مدة، ولا أعرف لها مبررا حقيقيا في نظام السوق المفتوح التنافسي الذي يعطي المواطن حق الاختيار على أساس الخدمات المقدمة، وفي ظل التنافس تغدو الخدمات التي تقدم أفضل جودة وأكثر قدرة على تلبية رغبات هذا المواطن، وبما أنك ملزم بالحق السيادي فعليك تحمل ضعف الخدمات المقدمة، كأن تعطى سماعة معطلة أو أن تجلس في كرسي ضيق بقنوات إذاعية صامتة، أو أن يتجاهل المضيف طلبك في مشروب ما ويلزمك بأن تأكل مما تبقى في قائمته من مأكولات لا تستحق الأكل أصلا!
أيضا عليك أن تتجاهل كذب مركز الاتصالات عليك عندما يقول لك بأن الرحلات في يوم ما تريد السفر فيه كلها ممتلئة بالمسافرين، وعليك أن تتيقن ساعتها بأن هناك موسما سياحيا جيدا بل أكثر من ممتاز وإلا فلماذا كل الرحلات ممتلئة بالمسافرين؟ حتى إن اكتشفت عكس ذلك بعد أن ينالك الحظ وتركب الطائرة فتكتشف أن الرحلة ليست ممتلئة على آخرها، وحتى إن قال لك أحد الموظفين الطيبين بأن الطائرة فارغة، ولكنه لا يستطيع تقديم رحلتك أو تأخيرها لأن الحاسب الذكي لا يعطيه ذلك الحق، واسمع لنصيحته بالذهاب إلى المطار ولسوف يساعدونك في النهاية وتركب الطائرة في الرحلة التي تريد، حتى إن لم تجد أحدا لمدة ساعة وأكثر في كابينة الطيران الوحيد في المطار الداخلي، إذ انك ستجد فرصتك لا محالة!
تجاهل ذلك وبكل تأكيد ستصعد إلى الطائرة، وسيطلب منك قائدها أن تحزم نفسك في الكرسي، لا لأن السفر مع الطيران العماني متعب أو غير مريح، فلا والله هو عكس ذلك تماما، إنما لأن الطاقم يريد أن يضمن لك كل السلامة والتقيد بالنظام المعمول به في كل الطائرات المدنية بالعالم، لا لأنك عندما تهبط الطائرة ستقفز قفزتين من كرسيك وتحس بأن الطائرة هبطت بسرعة غير مبررة، بل لأن تلك الخدمة لا توجد إلا بالطيران العماني!
المهم أنك ستصل سالما غانما، حتى إن تأخر وصول حقائبك ساعة أو أكثر، فذلك ليس لأن خدمة سيئة هي ما أدى إلى ذلك، بل لأنهم يحملون الحقيبة تلو أختها بكل حنان حتى لا تتبهدل الأشياء الموجودة فيها أو تتكسر!
وعندما تحصل على حقائبك وتخرج من مطار مسقط الدولي عائدا من أرض الوطن أيضا في أقصى الجنوب بعدما هنئت بالخريف وغياب الشمس والخضرة والوجه الحسن، تحسس جسدك فلربما وأنت تنزل من الطائرة تعمدت أن تسقط عضوا منك لكي تتهم الطيران العماني بالسوء، وتنادي بأعلى صوتك بالشفافية وبالمنافسة التي تتيح لشركات طيران أخرى أن تدخل مضمار تقديم خدماتها للطيران الداخلي كي يتحسن مستوى شركة الطيران الوطنية التي تنتمي لها! ولا تصرح وقتها بأنك إن رغبت في السفر في رحلة خارجية فإنك ستختار أجنحة أخرى غير أجنحة الطيران العماني، ما دام الفرق المادي لا يتعدى العشرة ريالات أو أكثر بقليل من ذلك، فالمهم أن تكسب راحة بالك، إذ تيقن أن راحة البال لن تتأتى إلا مع الخدمات المميزة التي يقدمها الطيران العماني! وفقك الله في حلك وترحالك، وأعادك للوطن سالما غانما!

الأربعاء، 20 أغسطس 2008

وصية حنا مينة الأخيرة


كتب حنَّا مينه يقول: ‏


"أنا حنا بن سليم حنا مينه، والدتي مريانا ميخائيل زكور، من مواليد اللاذقية العام 1924، أكتب وصيتي وأنا بكامل قواي العقلية، وقد عمّرت طويلاً حتى صرت أخشى ألا أموت، بعد أن شبعت من الدنيا، مع يقيني أنه « لكلِّ أجلٍ كتاب ». ‏ لقد كنت سعيداً جداً في حياتي، فمنذ أبصرت عيناي النور، وأنا منذور للشقاء، وفي قلب الشقاء حاربت الشقاء، وانتصرت عليه، وهذه نعمة الله، ومكافأة السماء، وإني لمِن الشاكرين. ‏ عندما ألفظ النَّفس الأخير، آمل، وأشدد على هذه الكلمة، ألا يذاع خبر موتي في أية وسيلة إعلامية، مقروءة أو مسموعة أو مرئية، فقد كنت بسيطاً في حياتي، وأرغب أن أكون بسيطاً في مماتي، وليس لي أهل، لأن أهلي، جميعاً، لم يعرفوا من أنا في حياتي، وهذا أفضل، لذلك ليس من الإنصاف في شيء، أن يتحسروا علي عندما يعرفونني، بعد مغادرة هذه الفانية. ‏ كل ما فعلته في حياتي معروف، وهو أداء واجبي تجاه وطني وشعبي، وقد كرَّست كل كلماتي لأجل هدف واحد: نصرة الفقراء والبؤساء والمعذبين في الأرض، وبعد أن ناضلت بجسدي في سبيل هذا الهدف، وبدأت الكتابة في الأربعين من عمري، شرّعت قلمي لأجل الهدف ذاته، ولما أزل. ‏ لا عتب ولا عتاب، ولست ذاكرهما، هنا، إلا للضرورة، فقد اعتمدت عمري كله، لا على الحظ، بل على الساعد، فيدي وحدها، وبمفردها، صفقت، وإني لأشكر هذه اليد، ففي الشكر تدوم النعم. ‏ أعتذر للجميع، أقرباء، أصدقاء، رفاق، قراء، إذا طلبت منهم أن يدعوا نعشي، محمولاً من بيتي إلى عربة الموت، على أكتاف أربعة أشخاص مأجورين من دائرة دفن الموتى، وبعد إهالة التراب علي، في أي قبر متاح، ينفض الجميع أيديهم، ويعودون إلى بيوتهم، فقد انتهى الحفل، وأغلقت الدائرة. ‏ لا حزن، لا بكاء، لا لباس أسود، لا للتعزيات، بأي شكل، ومن أي نوع، في البيت أو خارجه، ثم، وهذا هو الأهم، وأشدد: لا حفلة تأبين، فالذي سيقال بعد موتي، سمعته في حياتي، وهذه التآبين، وكما جرت العادات، منكرة، منفّرة، مسيئة إلي، استغيث بكم جميعاً، أن تريحوا عظامي منها. ‏ كل ما أملك، في دمشق واللاذقية، يتصرف به من يدّعون أنهم أهلي، ولهم الحرية في توزيع بعضه، على الفقراء، الأحباء الذين كنت منهم، وكانوا مني، وكنا على نسب هو الأغلى، الأثمن، الأكرم عندي. ‏ زوجتي العزيزة مريم دميان سمعان، وصيتي عند من يصلّون لراحة نفسي، لها الحق، لو كانت لديها إمكانية دعي هذا الحق، أن تتصرف بكل إرثي، أما بيتي في اللاذقية، وكل ما فيه، فهو لها ومطوّب باسمها، فلا يباع إلا بعد عودتها إلى العدم الذي خرجت هي، وخرجت أنا، منه، ثم عدنا إليه".

السبت، 16 أغسطس 2008

بعد ألف عام قادمة


أما بعد،،،
فزمن الشعر انتهى الآن! ويا أيها الشعراء عودوا إلى خيامكم، وأعدوا عدة رحلة شاقة تبدؤون من خلالها البحث عن شاعر جديد يحيي لكم ما مات!
كم من الوقت ستحتاجون الآن كي تعاودوا النهوض والصعود إلى علٍ، إلى حيث الشمس تشرق والعصافير تغرد بكلماتكم، وصوتكم يحفر موقعه بكل أصالة في قلوب الناس؟
ألف عام تكفي؟!
ربما، وربما لا، فالأمر هذه المرة أصعب مما كان، أصعب من رحلة الذين عاشوا على فلة التفاؤل ولم يجدوا شيئا يقولونه بعد كل الهزائم التي توالت سوى قصيدة حب أخيرة وقلب يتسارع في خطوة إلى النهاية! كانت قلوبا تبحث لنا عن خلود أبدي من خلال القصيدة، وكنا لا نعي ذلك مطلقا، لا نعي إلا التجهم في وجوههم واجتراح كلام سيء فيهم، كأنهم ليسوا منا، وكأننا كنا نحن الصالحون فقط دون سوانا!!
من نحن كي نقول ذلك؟ من ونحن لا نملك إلا الضحك والسقوط في بئر الحلم بأننا الأفضل! لم نكن شيئا والآن نحن لا شيء، فمدننا دون شاعر لا قيمة لها، حضارتنا التي نفاخر العالم بأنها الحضارة ولا حضارة دونها اليوم لا شيء، لا شيء، فشاعركم أيها العرب مات، مات وفي قلبه غصص لا تعد ولا تحصى، غصص الهزائم التي عايشها مذ ستين عاما وما زالت تتواصل إلى اليوم! وهو كان لا يزال متفائلا بقصائده التي منحتنا الحياة ومنحته التعب والعذاب!
وفي المقابل، يراهن بعضنا على سوق عكاظ الجديد، سوق الاتصالات القبلية التي ستحيي القصيدة الجديدة، وينادي منادٍ يقول: من يفوز؟ من يفوز بالبردة والخاتم والمليون؟ باب التصويت متاح حتى ختام الحلقة، باب الشراء متوافر حتى آخر دقيقة، والآن سنعلن عن أسماء أصحاب الألقاب: شاعر الرومانسية، الواعد، الحب، المرأة، السلام، القضية، والقضية باتت لعبة رسائل هاتفية تغوص في أعماق الاضمحلال!
هذا هو السوق الجديد، سوق الشعر الجديد، وقريبا تعود القصيدة فوق ظهر الحصان تعدو لتصل إلى الربوة تبحث عن شاعرها الأخير ولا تجد سوى الخراب، فتسقط من جديد، تسقط في الوحل هذه المرة، ولا تسمع مناديا يطلبها لأن الشعر مات ومات أصحابه اليوم!
والآن: بين المتنبي أحمد بن الحسين، ومحمود درويش قرابة ألف عام كانت بلا شاعر حقيقي، بلا مثقف قادر على أن يعطي الثقافة معنى حضاريا أكبر مما هو عليه، ليس مؤدلجا ولا يبحث سوى عن القصيدة فحسب، تلك التي تغني اللغة وتحييها، فهل سننتظر ألف عام قادمة كي يأتينا من يكون بقامة اللذين رحلا وتركا الناس ساهرة باحثة عن الغريب وعن سلالة الشعر الأخيرة!

الثلاثاء، 12 أغسطس 2008


لاعبُ النردِ

مَنْ أَنا لأقول لكمْ
ما أَقول لكمْ ؟
وأَنا لم أكُنْ حجراً
صَقَلَتْهُ المياهُ
فأصبح وجهاً
ولا قَصَباً ثقَبتْهُ الرياحُ
فأصبح ناياً ...
أَنا لاعب النَرْدِ ،أَربح حيناً وأَخسر حيناً
أَنا مثلكمْ
أَو أَقلُّ قليلاً ...
وُلدتُ إلى جانب البئرِ
والشجراتِ الثلاثِ الوحيدات كالراهباتْ
وُلدتُ بلا زَفّةٍ وبلا قابلةْ
وسُمِّيتُ باسمي مُصَادَفَةً
وانتميتُ إلى عائلةْ
مصادفَةً ،
ووَرِثْتُ ملامحها والصفاتْ
وأَمراضها :
أَولاً - خَلَلاً في شرايينها
وضغطَ دمٍ مرتفعْ
ثانياً - خجلاً في مخاطبة الأمِّ والأَبِ
والجدَّة - الشجرةْ
ثالثاً - أَملاً في الشفاء من الانفلونزا
بفنجان بابونجٍ ساخنٍ
رابعاً - كسلاً في الحديث عن الظبي والقُبَّرة
خامساً - مللاً في ليالي الشتاءْ
سادساً - فشلاً فادحاً في الغناءْ ...
ليس لي أَيُّ دورٍ بما كنتُ
كانت مصادفةً أَن أكونْ
ذَكَراً ...
ومصادفةً أَن أَرى قمراً
شاحباً مثل ليمونة يَتحرَّشُ بالساهرات
ولم أَجتهد
كي أَجدْ
شامةً في أَشدّ مواضع جسميَ سِرِّيةً !
كان يمكن أن لا أكونْ
كان يمكن أن لا يكون أَبي
قد تزوَّج أمي مصادفةً
أَو أكونْ
مثل أختي التي صرخت ثم ماتت
ولم تنتبه
إلى أَنها وُلدت ساعةً واحدةْ
ولم تعرف الوالدةْ ...
أَو : كَبَيْض حَمَامٍ تكسَّرَ
قبل انبلاج فِراخ الحمام من الكِلْسِ /
كانت مصادفة أَن أكون
أنا الحيّ في حادث الباصِ
حيث تأخَّرْتُ عن رحلتي المدرسيّةْ
لأني نسيتُ الوجود وأَحواله
عندما كنت أَقرأ في الليل قصَّةَ حُبٍّ
تَقمَّصْتُ دور المؤلف فيها
ودورَ الحبيب - الضحيَّةْ
فكنتُ شهيد الهوى في الروايةِ
والحيَّ في حادث السيرِ /لا دور لي في المزاح مع البحرِ
لكنني وَلَدٌ طائشٌ
من هُواة التسكّع في جاذبيّة ماءٍ
ينادي : تعال إليّْ !
ولا دور لي في النجاة من البحرِ
أَنْقَذَني نورسٌ آدميٌّرأى الموج يصطادني ويشلُّ يديّْ
كان يمكن أَلاَّ أكون مُصاباً
بجنِّ الُمعَلَّقة الجاهليّةِ
لو أَن بوَّابة الدار كانت شماليّةً
لا تطلُّ على البحرِ
لو أَن دوريّةَ الجيش لم تر نار القرى
تخبز الليلَ
لو أَن خمسة عشر شهيداً
أَعادوا بناء المتاريسِ
لو أَن ذاك المكان الزراعيَّ لم ينكسرْ
رُبَّما صرتُ زيتونةً
أو مُعَلِّم جغرافيا
أو خبيراً بمملكة النمل
أو حارساً للصدى !
مَنْ أنا لأقول لكم
ما أقول لكم
عند باب الكنيسةْ
ولستُ سوى رمية النرد
ما بين مُفْتَرِسٍ وفريسةْ
ربحت مزيداً من الصحو
لا لأكون سعيداً بليلتيَ المقمرةْ
بل لكي أَشهد اﻟﻤﺠزرةْ
نجوتُ مصادفةً : كُنْتُ أَصغرَ من هَدَف عسكريّ
وأكبرَ من نحلة تتنقل بين زهور السياجْ
وخفتُ كثيراً على إخوتي وأَبي
وخفتُ على زَمَنٍ من زجاجْ
وخفتُ على قطتي وعلى أَرنبي
وعلى قمر ساحر فوق مئذنة المسجد العاليةْ
وخفت على عِنَبِ الداليةْ
يتدلّى كأثداء كلبتنا ...
ومشى الخوفُ بي ومشيت بهِحافياً ، ناسياً ذكرياتي الصغيرة عما أريدُ
من الغد - لا وقت للغد -أَمشي / أهرولُ / أركضُ / أصعدُ / أنزلُ / أصرخُ /أَنبحُ / أعوي / أنادي / أولولُ / أسرعُ / أبطئ / أهوي/ أخفُّ / أجفُّ / أسيرُ / أطيرُ / أرى / لا أرى / أتعثَّرُ/ أَصفرُّ / أخضرُّ / أزرقُّ / أنشقُّ / أجهشُ / أعطشُ/ أتعبُ / أسغَبُ / أسقطُ / أنهضُ / أركضُ / أنسى/ أرى / لا أرى / أتذكَُّر / أَسمعُ / أبصرُ / أهذي /أُهَلْوِس / أهمسُ / أصرخُ / لا أستطيع / أَئنُّ / أجنّ /أَضلّ / أقلُّ / وأكثرُ / أسقط / أعلو / وأهبط / أدْمَى/ ويغمى عليّ /ومن حسن حظّيَ أن الذئاب اختفت من هناك
مُصَادفةً ، أو هروباً من الجيشِ /لا دور لي في حياتي
سوى أَنني ،
عندما عَلَّمتني تراتيلها ،
قلتُ : هل من مزيد ؟
وأَوقدتُ قنديلها
ثم حاولتُ تعديلها ...
كان يمكن أن لا أكون سُنُونُوَّةً
لو أرادت لِيَ الريحُ ذلك ،
والريح حظُّ المسافرِ ...
شمألتُ ، شرَّقتُ ، غَرَّبتُ
أما الجنوب فكان قصياً عصيّاً عليَّ
لأن الجنوب بلادي
فصرتُ مجاز سُنُونُوَّةٍ لأحلِّق فوق حطامي
ربيعاً خريفاً ..
أُعمِّدُ ريشي بغيم البحيرةِ
ثم أطيل سلامي
على الناصريِّ الذي لا يموتُ
لأن به نَفَسَ الله
والله حظُّ النبيّ ...
ومن حسن حظّيَ أَنيَ جارُ الأُلوهةِ...
من سوء حظّيَ أَن الصليب
هو السُلَّمُ الأزليُّ إلى غدنا !
مَنْ أَنا لأقول لكم
ما أقولُ لكم ،
مَنْ أنا ؟
كان يمكن أن لا يحالفني الوحيُ
والوحي حظُّ الوحيدين
« إنَّ القصيدة رَمْيَةُ نَرْدٍ »على رُقْعَةٍ من ظلامْ
تشعُّ ، وقد لا تشعُّ
فيهوي الكلامْ
كريش على الرملِ /لا دَوْرَ لي في القصيدة
غيرُ امتثالي لإيقاعها :
حركاتِ الأحاسيس حسّاً يعدِّل حساً
وحَدْساً يُنَزِّلُ معنى
وغيبوبة في صدى الكلمات
وصورة نفسي التي انتقلت
إلى غيرها « أَنايَ » من
واعتمادي على نَفَسِي
وحنيني إلى النبعِ /لا دور لي في القصيدة إلاَّ
إذا انقطع الوحيُ
والوحيُ حظُّ المهارة إذ تجتهدْ
كان يمكن ألاَّ أحبّ الفتاة التي
سألتني : كمِ الساعةُ الآنَ ؟
لو لم أَكن في طريقي إلى السينما ...
كان يمكن ألاَّ تكون خلاسيّةً مثلما
هي ، أو خاطراً غامقاً مبهما ...
هكذا تولد الكلماتُ . أدرِّبُ قلبي
على الحب كي يَسَعَ الورد والشوكَ ...
صوفيَّةٌ مفرداتي . وحسِّيَّةٌ رغباتي
ولستُ أنا مَنْ أنا الآن إلاَّ
إذا التقتِ الاثنتانِ :أَنا ، وأَنا الأنثويَّةُ
يا حُبّ ! ما أَنت ؟ كم أنتَ أنتَ
ولا أنتَ . يا حبّ ! هُبَّ علينا
عواصفَ رعديّةً كي نصير إلى ما تحبّلنا من حلول السماويِّ في الجسديّ .
وذُبْ في مصبّ يفيض من الجانبين .
فأنت - وإن كنت تظهر أَو تَتَبطَّنُ -لا شكل لك
ونحن نحبك حين نحبُّ مصادفةً
أَنت حظّ المساكين /من سوء حظّيَ أَني نجوت مراراً
من الموت حبّا
ًومن حُسْن حظّي أنيَ ما زلت هشاً
لأدخل في التجربةْ !
يقول المحبُّ اﻟﻤﺠرِّبُ في سرِّه :
هو الحبُّ كذبتنا الصادقةْ
فتسمعه العاشقةْ
وتقول : هو الحبّ ، يأتي ويذهبُ
كالبرق والصاعقة
للحياة أقول : على مهلك ، انتظريني
إلى أن تجفُّ الثُمَالَةُ في قَدَحي ...
في الحديقة وردٌ مشاع ، ولا يستطيع
الهواءُ
الفكاكَ من الوردةِ /انتظريني لئلاَّ تفرَّ العنادلُ مِنِّي
فاُخطئ في اللحنِ /في الساحة المنشدون يَشُدُّون أوتار آلاتهمْ
لنشيد الوداع . على مَهْلِكِ اختصريني
لئلاَّ يطول النشيد ، فينقطع النبرُ بين المطالع ،
وَهْيَ ثنائيَّةٌ والختامِ الأُحاديّ :
تحيا الحياة !
على رسلك احتضنيني لئلاَّ تبعثرني الريحُ /
حتى على الريح ، لا أستطيع الفكاك
من الأبجدية /
لولا وقوفي على جَبَلٍ
لفرحتُ بصومعة النسر : لا ضوء أَعلى !ولكنَّ مجداً كهذا الُمتوَّجِ بالذهب الأزرق اللانهائيِّ
صعبُ الزيارة : يبقى الوحيدُ هناك وحيداً
ولا يستطيع النزول على قدميه
فلا النسر يمشي
ولا البشريُّ يطير
فيا لك من قمَّة تشبه الهاوية
أنت يا عزلة الجبل العالية !
ليس لي أيُّ دور بما كُنْتُ
أو سأكونْ ...
هو الحظُّ . والحظ لا اسم لَهُ
قد نُسَمِّيه حدَّادَ أَقدارنا
أو نُسَمِّيه ساعي بريد السماء
نُسَمِّيه نجَّارَ تَخْتِ الوليد ونعشِ الفقيد
نسمّيه خادم آلهة في أساطيرَ
نحن الذين كتبنا النصوص لهم
واختبأنا وراء الأولمب ...
فصدَّقهم باعةُ الخزف الجائعون
وكَذَّبَنا سادةُ الذهب المتخمون
ومن سوء حظ المؤلف أن الخيال
هو الواقعيُّ على خشبات المسارحِ /خلف الكواليس يختلف الأَمرُ
ليس السؤال : متى ؟
بل : لماذا ؟ وكيف ؟ وَمَنْ
مَنْ أنا لأقول لكم
ما أقول لكم ؟
كان يمكن أن لا أكون
وأن تقع القافلةْ
في كمين ، وأن تنقص العائلةْ
ولداً ،
هو هذا الذي يكتب الآن هذي القصيدةَ
حرفاً فحرفاً ، ونزفاً ونزفاً
على هذه الكنبةْ
بدمٍ أسود اللون ، لا هو حبر الغراب
ولا صوتُهُ ،
بل هو الليل مُعْتَصراً كُلّه
قطرةً قطرةً ، بيد الحظِّ والموهبةْ
كان يمكن أن يربح الشعرُ أكثرَ لولم يكن هو ، لا غيره ، هُدْهُداً
فوق فُوَهَّة الهاويةْ
ربما قال : لو كنتُ غيري
لصرتُ أنا، مرَّةً ثانيةْ
هكذا أَتحايل : نرسيس ليس جميلاً
كما ظنّ . لكن صُنَّاعَهُ
ورَّطوهُ بمرآته . فأطال تأمُّلَهُ
في الهواء المقَطَّر بالماء ...
لو كان في وسعه أن يرى غيره
لأحبَّ فتاةً تحملق فيه ،
وتنسى الأيائل تركض بين الزنابق والأقحوان ...
ولو كان أَذكى قليلاً
لحطَّم مرآتَهُ
ورأى كم هو الآخرون ...
ولو كان حُرّاً لما صار أسطورةً ...
والسرابُ كتابُ المسافر في البيد ...
لولاه ، لولا السراب ، لما واصل السيرَ
بحثاً عن الماء . هذا سحاب - يقول
ويحمل إبريق آماله بِيَدٍ وبأخرى
يشدُّ على خصره . ويدقُّ خطاه على الرملِ
كي يجمع الغيم في حُفْرةٍ .
والسراب يناديه
يُغْويه ، يخدعه ، ثم يرفعه فوق : إقرأ
إذا ما استطعتَ القراءةَ . واكتبْ إذاما استطعت الكتابة . يقرأ : ماء ، وماء ،
وماء .
ويكتب سطراً على الرمل : لولا السراب
لما كنت حيّاً إلى الآن /من حسن حظِّ المسافر أن الأملْ
توأمُ اليأس ، أو شعرُهُ المرتجل
حين تبدو السماءُ رماديّةً
وأَرى وردة نَتَأَتْ فجأةً
من شقوق جدارْلا أقول : السماء رماديّةٌ
بل أطيل التفرُّس في وردةٍ
وأَقول لها : يا له من نهارْ !
ولاثنين من أصدقائي أقول على مدخل
الليل :
إن كان لا بُدَّ من حُلُم ، فليكُنْ
مثلنا ... وبسيطاً
كأنْ : نَتَعَشَّى معاً بعد يَوْمَيْنِ
نحن الثلاثة ،
مُحْتَفلين بصدق النبوءة في حُلْمنا
وبأنَّ الثلاثة لم ينقصوا واحداً
منذ يومين ،
فلنحتفل بسوناتا القمرْ
وتسامُحِ موت رآنا معاً سعداء
فغضَّ النظرْ !
لا أَقول : الحياة بعيداً هناك حقيقيَّةٌ
وخياليَّةُ الأمكنةْ
بل أقول : الحياة ، هنا ، ممكنةْ
ومصادفةً ، صارت الأرض أرضاً مُقَدَّسَةً
لا لأنَّ بحيراتها ورباها وأشجارها
نسخةٌ عن فراديس علويَّةٍ
بل لأن نبيّاً تمشَّى هناك
وصلَّى على صخرة فبكتْ
وهوى التلُّ من خشية الله
مُغْمىً عليه
ومصادفةً ، صار منحدر الحقل في بَلَدٍ
متحفاً للهباء ...
لأن ألوفاً من الجند ماتت هناك
من الجانبين ، دفاعاً عن القائِدَيْنِ اللذين
يقولان : هيّا . وينتظران الغنائمَ في
خيمتين حريرَيتَين من الجهتين ...
يموت الجنود مراراً ولا يعلمون
إلى الآن مَنْ كان منتصراً !
ومصادفةً ، عاش بعض الرواة وقالوا :
لو انتصر الآخرون على الآخرين
لكانت لتاريخنا البشريّ عناوينُ أخرى
يا أرضُ خضراءَ . تُفَّاحَةً . « أحبك خضراءَ »
ُتتموَّج في الضوء والماء . خضراء . ليلُكِ
أَخضر . فجرك أَخضر . فلتزرعيني برفق...
برفقِ يَدِ الأم ، في حفنة من هواء .
أَنا بذرة من بذورك خضراء ... /
تلك القصيدة ليس لها شاعر واحدٌ
كان يمكن ألا تكون غنائيَّةَ ...
من أنا لأقول لكم
ما أَقول لكم ؟
كان يمكن أَلاَّ أكون أَنا مَنْ أَنا
كان يمكن أَلاَّ أكون هنا ...
كان يمكن أَن تسقط الطائرةْ
بي صباحاً ،
ومن حسن حظّيَ أَني نَؤُوم الضحى
فتأخَّرْتُ عن موعد الطائرةْ
كان يمكن أَلاَّ أرى الشام والقاهرةْ
ولا متحف اللوفر ، والمدن الساحرةْ
كان يمكن ، لو كنت أَبطأَ في المشي ،
أَن تقطع البندقيّةُ ظلِّي
عن الأرزة الساهرةْ
كان يمكن ، لو كنتُ أَسرع في المشي ،
أَن أَتشظّى
وأصبح خاطرةً عابرةْ
كان يمكن ، لو كُنْتُ أَسرف في الحلم ،
أَن أَفقد الذاكرة .
ومن حسن حظِّيَ أَني أنام وحيداً
فأصغي إلى جسدي
وُأصدِّقُ موهبتي في اكتشاف الألمْ
فأنادي الطبيب، قُبَيل الوفاة، بعشر دقائق
عشر دقائق تكفي لأحيا مُصَادَفَةً
وُأخيِّب ظنّ العدم
مَنْ أَنا لأخيِّب ظنَّ العدم ؟مَنْ أنا ؟ مَنْ أنا ؟