أما بعد،،،
فبالرغم من أن الصورة، صورة المثقف، المثقف العماني بشكل أوضح، تأرجحت وتحركت عن موضعها بفعل فاعل بطبيعة الحال ليس هو المثقف ولا، ربما، أحد أقربائه؛ إلا أنه بعد هذا التحريك أزبد وأرعد، ورأى أن في ذلك مهانة ما بعدها مهانة! فهو الآن عريان ولا حتى ورقة توت على عورته البشعة!! غاضب لأن أحدهم قام بذلك الفعل، وكشف كل الأوراق التي كان يحاول مثقفنا العزيز أن يخفيها، وقال بأنها الجريمة التي لا تغتفر! فالآن لن يصدق أحد ذاته المتضخمة من أجل الناس والمجتمع وليس من أجل نفسه! لن يصدقوا مقولاته عن الحرية والمساواة والتشارك في الثروات ولا حتى الثورات! لأن صورته اهتزت، وأصبح هو عاريا الآن من كل مبدأ!!
هو غاضب الآن ليس فقط لغضبة الناس والمجتمع منه، بسبب التعري الفاضح، بل لأن الناس أصلا لا تصدق أن ترى المثقف على حقيقته حتى تبدأ تجلده بأثقل أنواع الكلام، الذي يساقط على القلب فيدميه حسرة وغما!!
المجتمع يريد من المثقف دائما أن يحافظ على الصورة التي يراها هو، يرسمها ويبروزها في ذهنه، ولكنه لا يسامح مطلقا في حال انكشف المثقف/ المثال وبدا في شكله الطبيعي. يريده دائما أن يكون كما يريده هو، لا كما يريد صاحب الشأن! ويبدو أن هذه الإشكالية نابعة من ثقافة المجتمع ككل، فالمثل الدارج يقول فيما معناه بأنه مسموح للإنسان أن يأكل ما شاء ولكن لبسه ينبغي أن يكون وفق ما يريدون هم!
المثل على بساطته يقول لنا بأن الإنسان لا حرية له إلا فيما يأكله، بالأحرى فيما هو خاف عن الناس، كالأكل مثلا! ذلك شأن لا يعنيهم، ولكن ما يعنيهم ألا يلبس إلا وفق هواهم، ألا يفكر خارج عن إطار رغباتهم، أو توجهاتهم، وأن يكون بياض دشداشته هو ذاته البياض الذي لدى كل الناس، فإن اتفق هؤلاء الناس على ارتداء اللون الوردي مثلا كدشداشة فبياضه ساعتئذ بياض خارج عن أهوائهم ورغباتهم!
فكيف وهو فعليا وعمليا يفكر خارج سياقهم؟ لقد ارتضوا نوعا ما بأن يكون هكذا، لأنهم فعليا يتقبلون الشاعر الأديب ويؤمنون في دواخلهم بأدواره الطبيعية في المجتمع، حتى وإن أنكروا هذا الأمر على نحو أو آخر، ولذلك يتقبلونه على مضض، لكن أن يتمادى في خروجه عليهم فهذه كبيرة من الكبائر وعليه أن يتوب ويؤوب إلى رشده، فالصورة التي هم شكلوها له لا ينبغي أن تخرج عن الإطار الذي وضعوها فيه، وإن حاول أحدهم أن يزحزحها، فبكل تأكيد المثقف هو الملام لا أحد سواه.
المشكلة الكبرى هي أن هذا الكائن المتمرد المتضخم الذات الذي اتفق جمع منا على تسميته بالمثقف أو الأديب الشاعر القاص الكاتب، حتى إن انتفت عنه كثير من هذه الصفات وبقيت صفة جمع المعلومات الثقافية العامة فهو في نظرهم مثقف، وإن لم يكن متمردا بذلك الشكل الكبير، هو الذي يتنازل عن أدواره الحقيقية ويصر على أن يهادن المجتمع، بدعوى أن ما قد يفعله هو الخروج عليه وهو كائن تكفيه خساراته الفادحة في الحياة وليس له قدرة على المزيد منها! برغم أنه كائن متمرد وقد خرج على نحو أو آخر على ثيمات المجتمع وقراراته وأحلامه، لكن ما باليد حيلة، فالصورة التي ارتضاها المثقف لنفسه هي المطلوبة في الختام، حتى إن كان سيخسر نفسه أمام نفسه، سيخسر جزءا كبيرا من نضاله ضد ما يعتقد أنه صائب لأن المجتمع يرفض ذلك، متناسيا أنه قوة بإمكانها التغيير حتى بالمجابهة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق