أما بعد،،،
فالمثقف العماني أعزائي ليس كائنا عاديا، إنه المثال المشرف الذي ينبغي علينا أن نحذو حذو أفعاله، علينا أن نرى في تصرفه تصرفا مبتكرا قادرا على إعطاء معنى للحياة التي نعيشها، مثله في ذلك مثل كافة المثقفين العرب، هؤلاء الذين يضحون من أجل أوطانهم، من أجل مواطني مجتمعاتهم، يرهقون عقولهم وأجسادهم من أجل أن يوصلوا مجتمعاتهم إلى الضفة الأخرى من النهر! ذلك النهر الذي إن وقعت فيه أيها المواطن؛ فإنك لا محالة واقع في جهلك وتخلفك الذي دائما ما يحزن مثقفينا الأعزاء!
المرة الماضية تحدثت معك حول صورته التي لا ينبغي أن تعكس إلا المثالية والثقل في حياته، ذلك الثقل الكبير الذي من خلاله يؤسس مثقفنا لشكل مميز من أشكال الحياة التي ينبغي أن نتبعها! والغريب أن هذا الثقل أكثر ما يبرز فإنه يبرز عند المثقف العماني دون سواه، فخذ مثلا لديك نمط حياة المثقف العربي في بلد كالعراق التي أنجبت على ما لديها من أزمات وكوارث مثقفين ما زالوا يؤسسون لحراك مميز اتفقنا معه أم اختلفنا، وهم في غالبهم لا يحاولون أن يكونوا ثقيلين في صورتهم، بالأحرى لا يزيفون معيشتهم من أجل أن ينظر الناس إليهم بنظرة أخرى غير الواقعية التي هم عليها، والأمر كذلك مع المثقفين المغاربة والتوانسة وربما الصوماليون!
وقد أكون مبالغا في ذلك، ومجحفا لأقرانهم العمانيين، كونني لم ألتق كثيرا بأطياف مثقفة من العراق أو من بلاد المغرب العربي، مما يعني أن كلامي به جانب كبير من القصور، ولكنني أعتقد، والاعتقاد نصف الحقيقة ونصف الوهم! أعتقد أنهم لا يبالغون في ردة فعلهم لشرخ الصورة التي ينبغي أن يكونوا عليها لأنهم لا يهتمون كثيرا بصورتهم في مرآة المجتمع الذي يعيشون فيه، وكما قلت فهذا اعتقاد، فيه الصواب وفيه أيضا، ربما، الخطأ!
ولأعد لمثقفنا العماني العتيد الذي ذكرت أنه يحب أن تكون صورته ثقيلة لأنه يعيش ضمن إطار ثقافي ونسيج اجتماعي يدققان جيدا في كل فعل أو تصرف يقوم به على أساس أنه كائن مثقف يعيش من أجل الناس، وعليه فإن الصورة لابد أن تكون مثالية حتى لو كان تصرفه الثقيل ذاك منافيا لطبيعته الحقيقية في أعماقه!
ماذا سيقول عنه الناس إن اكتشفوا مثلا أنه لم يقم بعمله الوظيفي بالشكل المطلوب؟ أو أنه لم يحظ المناسبة الفلانية بالزي الرسمي المتمثل في مصر وخنجر أو في أقل الحالات كمة تستر عورة الرأس؟ ماذا ستكون نظرتهم إن قال أحدهم يوما في صحيفة ما بأنه (وهو الذي يشغل منصبا ثقافيا مرموقا) ذاهب لقضاء إجازة في بلد من بلدان العالم ولم يخطر أحدا من إدارته الثقافية بذلك؟ أو نشر أحدهم عنه صورة بملابس رياضية وهو يمارس المشي على شاطئ القرم؟ أو رآهم أحدهم مع عشيقته في مطعم بيروت بالقرم؟ ألن يظنوا ساعتها بأنه يستهزئ بهم؟ ويركل كل همومهم إلى الوراء غير معني إلا بذاته؟ بل سيفعل آخرون اكثر من ذلك عندما يبدؤون في لومه على تصرف ما قام به هم يرونه خارجا عن إطار الكياسة والوضع الثقافي الذي ينبغي أن يكون هو عليه.. لذلك فكثير من مثقفينا الأعزاء يسكرون ليلا ويرتدون أزياءهم الرسمية صباحا دون أن يعلم أحد بحياتهم السرية تلك كي لا يلطخون تاريخهم العفيف!
وفي الحقيقة أيها الأعزاء أنا لا أزعم بأني صائب فيما أقوله الآن، ولكن ألا ينبغي فعليا أن لا يتجهم هذا المثقف لمجرد أن صورته العتيقة دحرجت من إطارها قليلا ووضعت بها بعض اللمسات من مواطنين أيضا، باحثين عن أشياء تخفى عنهم وهي حقيقية وغير مؤذية بطبيعة الحال لأنها تمس الكائن المثقف بذاته؟
ألا نحتاج إلى أن نتعامل مع الأمور بقليل من المرونة، وخاصة من قبل المثقفين، الذين ينبغي أن يكونوا هم من يعلمون المرونة وتقبل الأفكار مهما كان اختلافهم معها؟ لكن أين يمكن أن يحدث هذا والمثقف العربي أينما كان لا يمكن إلا أن يرى نفسه فقط ؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق