الثلاثاء، 9 ديسمبر 2008

ستة وثلاثون!



أما بعد،،،
ففي لقاء جمعني بدمدم مؤخرا (وهو الشخصية الرئيسة في مسرحية دمدم التي كتبها للمسرح الممثل والكاتب مالك المسلماني والذي أدى الشخصية على الخشبة في عرضها الأول والأخير إذ بعدها أصدرت وزارة التراث والثقافة أمرا بإيقافها وعدم التفكير من قبل أصحابها في العودة مجددا بعرضها داخليا أو خارجيا لأن بها بعض التصريح والإيحاء لمسائل تهم البلد، فمثلا رقابة الوزارة مدفوعة برقابة أخرى تساءلت عن معنى خربانة هل القصد بها أن البلد خربانة ككل؟ وتساءلت عن معنى المفتاح والخزنة ولماذا هذا التوقيت للعرض ولمثل هذه الإشارات؟ وبالطبع استجابت الفرق الثلاث التي تجمعت لأول مرة من أجل إيجاد فرجة حقيقية وتقبلت الأمر والمنع وبدأ القائمون عليها يفكرون بإنتاج عروض أخرى وفي قلوبهم غصص هائلة)
كان دمدم يبكي ويردد بألم وحرقة: ستة وثلاثون!! فقط ستة وثلاثون!! وبالطبع لم أفهم ما يعني لذا جلست جواره وسألته: ماذا تقصد؟ فنظر إلي وحزن الدنيا كلها يفيض من عينيه ثم قال: ألوم مالكا أنه اخترع شخصيتي، فلولاه لما رأيت كل ما رأيت من أسى وحرمان! هل تصدق أنهم أعطوني ستة وثلاثين ريالا فقط، وقد ظننت أن أجري أكثر من ذلك بل إني قلت لصاحب المالية: ربما تقصد ثلاثمائة وستون ريالا وليس ستة وثلاثون فرد علي بأنها كما عدها: ستة وثلاثون لا أكثر ولا أقل!! ضحكت وقلت بأنها لا تكفي بنزين السيارة التي أقودها وهي بالمناسبة سيارة قديمة جدا وتستهلك كل راتبي، وهو راتب زهيد إذ أني أعمل في تلميع الأحذية وتربية القطط! ولا تستغرب لماذا لم أعمل ممثلا، فالفن ما يوكل عيش في بلادنا، ولذا قررت أن أذهب إلى الندوة التي أقامتها الفرق المسرحية العمانية الأهلية التي يصل عددها سبعة عشر فرقة لا أدري أين هي، وقد علمت عنها عن طريق هلال الهلالي وطالب محمد وخالد عبد الرحيم عندما كنت بالإذاعة والتلفزيون فقد كانوا يعدون أوراق عمل لهذه الندوة، ودعوني لأن أحضر، فقلت في نفسي: هذه فرصتك يا دمدم لكي تشتكي الأجور السيئة التي تعطى إياها وتصنيفك المجحف والذي وضعت من خلاله في الدرجة "سي" مع أنك تعلم يا صديقي بأني خريج جامعي ولدي شهادة حتى لو عملت في تنظيف الأحذية وتربية القطط، فكما تعلم لم تعد المشكلة مشكلة خريجي الثانوية أو الشهادة العامة كما يسمونها اليوم فحتى مخرجات البكالوريوس وربما الماجستير لا يجدون عملا لأن الدرجات المالية غير متوفرة ولا قانون واضح بالنسبة للتقاعد حتى الآن! المهم قررت أن أذهب للندوة التي استمرت ليومين، وهناك رأيت العجب العجاب يا صديقي! رأيت ورقة تقول بأن هناك مشاكل للفرق ولا تقول في الوقت ذاته، فصاحب الورقة، وهو بالمناسبة محاضر في الجامعة، لم يقل شيئا واضحا بل مجرد جمل عامة يمكن أن يقولها أي واحد من الحاضرين حتى أنا، ثم اكتشفت أنه ليس عضوا بأي فرقة من الفرق التي يتحدث عن مشاكلها وليس لديه نتاج مسرحي واضح! قلت لا مشكلة ربما الورقة الثانية تطرح المشاكل، وقد طرحت مشكلة مهمة وهي أن المتحدثة لا تعي الفرق بين النص المسرحي الأدبي وبين العرض المسرحي، وتطالب الكتاب بأن يدخلوا الأساطير والحرف التقليدية والموروثات في نصوصهم كي تكون نصوصا مسرحية أو إدخال شاشات عرض في صلب نصوصهم، كي نتخطى أزمة النص المسرحي والدرامي، وعرفت لاحقا أنها لم تكتب أي نص مسرحي وبأنها تحفظ مجموعة من البراويز والأطر التي تكيف كل فعالية مسرحية لتتلاءم معها
تحسرت ثم قلت ربما الأوراق الأخرى كانت بأفضل، لكنها جاءت لتقول بأن الأمور كلها بخير، وبأنني لم أظلم عندما أعطيت ستة وثلاثين ريالا أجر الحلقات العشر التي أديتها، حتى المشاجرات التي نبتت بعد الأوراق والاتهامات المتبادلة لم تقل لي إلا بأنه من الجيد أنني أخذت الستة والثلاثين ريالا، لذا خرجت وفي حلقي يتحشرج السؤال: من الذي هو سبب تأخرنا في المسرح والدراما؟ هل هي وحدها لائحة الأجور وميزانيات الأعمال والرقابة؟ أم هم هؤلاء الذين يقولون بأنهم مسرحيون وفنانون وهم لا يمتلكون أبجديات الحوار الخلاق؟! تساءلت بعدما مضى دمدم: ماذا يمكنني أن أفعل بستة وثلاثين ريالا كان وضعها في يدي قبل أن يمضي؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق