الثلاثاء، 9 ديسمبر 2008

ماذا تَذكرَ قبل الانتحار؟!



أما بعد،
فسلاما يا دمدم سلاما، ها أنت تضع رجلك فوق حد حافة مبنى مسرح الشباب الآيل للسقوط، لأن بعضهم لم يكن صادقا في نيته عندما قرر بناء ذلك المسرح، ولأن المسرح، بعد كل هذا العمر، وكل هذه النهضة، وكل هذا الزمن، لا يؤسس نهضة، ولا حضارة، وما هو إلا ترف زائد عن الحاجة، وإلا فلماذا لجنة لتطوير الدراما والمسرح في بلادنا، لولا تلك النظرة الضيقة للفن والفنون، للمسرح والدراما، للثقافة مجملا؟ ها أنت تقرر أن تلقي بنفسك إلى الأرض المنحدرة خلف مبنى وزارة الشئون الرياضية التي يقال بأنها تطورت وباتت أفضل مما كانت عليه قبل عشر سنوات، والدليل أن منتخبنا الوطني يفوز بالمركز الثاني لمرتين متتاليتين في كأس الخليج، والكل يهتف باسمه ويقسم بأنه كان صاحب الأحقية! وذلك كله برغم اختفاء منتخبات كالشباب والناشئين الذين في يوم من الأيام دوخوا العالم بفنونهم الكروية، وحققوا ما لم يحققه شعراء الرمل في بلادنا ولا قاصيها أو روائييها!! ها أنت تتذكر غلام خميس والمجد الذي حققه، والسنوات التي قضاها يحلم بمنجز للوطن ولو على صعيد الرياضة وكرة القدم! وأنا بصراحة لا أعرف غلام خميس الذي كتب عنه عبد الله حبيب وأخوه مازن، وحميد البلوشي وسالم الغيلاني وأسماء أخرى لا أعرفها مقدار معرفتي بك! لأنني إنسان لا يبالي بالرياضية، والفرح الذي يصيبني عندما تقام مباراة للمنتخب ليس لأنني أشجع المنتخب، بل لأن شوارع مسقط أو بالأحرى شارعها الوحيد سيكون فارغا تقريبا من السيارات مما يعني عودة الزمن الجميل لأوصال مسقط، ويعني أن أخرج وأشم الهواء الساكن غير المزدحم بالعوادم، وأدخل المجمعات التجارية، وأذهب إلى الشواطئ فلا أجد ذلك الازدحام الكثيف الذي تحياه مدينة كمسقط الآن ودوما بعدما بات لكل أسرة أربع سيارات كأقل فرض! ذلك أن الزوج يعمل والزوجة، والأخت والأخ والأب وربما أيضا الأم! هذا إذا لم يكن للأسرة سائق أيضا..
ها أنت الآن تبتلع غصصك الكثيرة، وتقول: إلى متى ونحن في ذيل القائمة من الاهتمامات والأولويات؟ متى يدرك هؤلاء الفنانون والمثقفون قبل أن يدرك صناع القرار الثقافي أدوارهم في الحياة الحضارية لبلد يمتد لأربعة آلاف عام؟ بالأخص هؤلاء الذين يقولون بأنهم مسرحيون وأصحاب فن، وهم لا يعرفون الطين من العجين؟ كنت لحظتها تتذكر فشل مشروعك السينمائي لأن البلاد ليس فيها مسرح فكيف يكون هناك فن سينما؟ البلاد لا تمتلك أي مؤشر يؤشر إلى أن المستقبل سيكون مشرقا، والذين كان يفترض بهم أن يكونوا أساس الغد، والغد جاء وهم لم يقوموا إلا بما يعنيهم من منجز خاص يصعدون من خلاله سلمة جديدة في الوظيفة أو الأعطيات!
تقول الآن: ماذا تفيد حياة فنان حقيقي في بلاد مسرحها الوحيد انهار، ومسماه اختفى بعد انتقاله من مؤسسة إلى أخرى؟ وللأسف الشديد كانت المؤسسة الجديدة لا تبالي بالتطوير بل كان هاجسها أن تجعل كل مشروعا تراثا خالصا وذكريات مرة لأصحابها! وحتى مشروعها الذي بدأته قبل أعوام أربعة توقف، ذلك أن لا مبنى مسرحي موجود قادر على احتضان الفكرة مجددا، رغم أنها فكرة يمكنها أن تحرك قاع البحيرة الراكدة وليس وجهها فقط! وقد قيل في هذا الشأن بأن هناك ما يشبه المشروع، مشروع بناء مسرح بديل لمسرحين: الأول هو الذي تقف الآن على حافة مبناه بغية إنهاء حياتك، والآخر هو الخيمة التي انهارت مع الأيام داخل المبنى التراثي الضخم، ولا أحد يدري أين ذهب المشروع؟ أو أين ذهبت الأرض؟! ولذلك ومع كل هذه المعطيات التي تراها من كل صوب تبدو لك الآن الحياة بلا معنى، وبأنه لابد لك من أن تسجل موقفا مغايرا للصمت الكلاسيكي، أو الاعتراض المعتاد، ولذا يبدو وقوفا بغية الانتحار سقوطا من مبنى مسرح الشباب بمسقط فرصة متميزة وفكرة رائدة، ستسجلها الأيام بكل تأكيد، وسيعرف العالم كله مأساة الأدب والفن والثقافة في بلاد حضارتها تمتد بامتداد العصور!
رحمك الله أينما كنت الآن!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق