السبت، 13 ديسمبر 2008

ضيعوا علينا صيام عرفة!


أما بعد،،
فقد رأيت فيما يرى النائم أنني تعلقت بحافة السماء وكان الناس يفتحون عيونهم باتساع بحثا عني، ولكن قد غم عليهم فأعلن المختصون تمام الشهر، وبأن العيد لن يكون في اليوم ذاته الذي أعلنته جزر الواق واق!
وبينما أنا كذلك إذ بي أسمع لغطا عاليا، وكأنما أحدهم ارتكب جريمة بشعة بحق الناس، وعندما اقتربت قالوا لي بأنهم يخالفون العالم ولا يريدون لنا أن نصوم عرفة! فتذكرت ساعتها أن أمل عرفة لم تظهر في أعمال فنية جديدة في رمضان، ومن أفطر فعليه قضاء ما فات! ثم تساءلت: ليس الشهر شهر صيام فعن أي صوم يتحدثون ويحتجون؟! وقبل أن أنطق بذلك قال أحدهم: يا أخي يوم عرفة من الأيام التي يؤجر فيها المسلم بصومه وعبادته! إنه عرفات يا ناس، لماذا يحرموننا الصوم في يومه؟! غير إني أذكر أن عرفات مات في باريس، ومازال الكلام كثيرا عن وفاته، فهناك من قال بأن شارون سممه وقتله، وشارون الآن لا حي هو ولا ميت، وهو لم يقدر على عرفات عندما اجتاح بيروت قبل سنين يقدر عليه بعد الاتفاقيات والمعاهدات؟!!
ثم مضى الناس متحسرين، ومازالت الأسئلة تشتعل في رأسي: إذا لم يكن شهر صوم، فلماذا يحتجون؟ ثم عرفات مات، وغزة الآن مظلمة والضفة تحمل إليها الدواء وسفن العرب لا تستطيع الاقتراب كما فعلت سفن الأوروبيين غير الدبلوماسيين!! عندها قررت أن أتصل ببرنامج هذا الصباح أسأله عن الأمر، ولكن خالدا الزدجالي لم يرد وكان مشغولا بهنا عمان، ثم قالوا بأنهم لا يبثون المكالمات إلا بعد تسجيلها ولا يعتقدون بأن موضوعي سيذاع لأنه موضوع شخصي، وعلي أن أبحث عن إجابة في مكان آخر، ففتحت الجريدة لعلي أجد الخبر اليقين!
قرأت أنهم يصدرون القمح للعالم فيما الجياع كثر في بلادنا، فثارت حفيظتي وقررت أن أرد عليهم هؤلاء الحمقى الذين لم يجدوا سوى قوت يومنا يصدرونه للعالم: ما دخلنا نحن بجوع العالم؟ ألا يتركون لنا هذا القمح؟ لكن الجريدة استشاطت غضبا من سوء قراءتي، وذكرتني بأن العرب لا يحسنون القراءة ولو كانوا يحسنون لما جعلوا القمح قمعا والعكس! إنهم يصدرون القمع يا هذا وليس القمح!! فضحكت حتى ظهر سني الذي يحتاج لعملية خلع عصب لم أقدم عليها لأن الطبيبة التي كان يفترض أن أجري العملية على يدها ذهبت في رحلة ولادة ودراسة وبأن موعدي تأجل عاما آخر! ثم كيف يصدرون القمع؟ ربما يقصدون النفط وليس القمع، فنحن لا نصدر إلا البراميل السوداء من داخلها لتعود لنا بأغلى الأثمان! أما عن القمع فلا أظن، فنحن لا نملك الشجاعة لكي نصدر بضاعة جيدة في مثل زماننا هذا كالقمع! أما القمح فبرغم خصوبة الأرض لكننا نستورده ونستورد معه الأرز والبسكويت والحليب واللبن والشاي والبن والزبدة وخرفان العيد!
لحظتها رأيت خروفا أستراليا أبيض يبتسم لي! كان سمينا بالصوف، لا كغيره.. فتذكرت الماعز الصومالي الذي خطفه القراصنة في بحر العرب وطالبوا بفدية وإلا فإنهم سيضطرون آسفين إلى ذبحه ورمي لحمه في البحر! صرخت: لا، فالأسماك أيضا غالية! وقررت أن أتصل بوزارة الثروة السمكية أشكو لهم سوء الحال، وبأني مذ شهر تقريبا لم آكل سوى علب التونة التي تحولت بقدرة قادر إلى علب ذهبية لا يمكن شراؤها أيضا لغلائها! حتى التونة لا تصلح الآن للعيد! لكن متى هو العيد؟ هل بحسب توقيت الواق واق أم بحسب توقيت مسقط؟! مجددا سمعت اللغط: يا أخي ضيعوا علينا صيام يوم عرفة! لحظتها أفقت منتبها لصوت البرد وهو يضرب سيارتي بعنف، فيما أنا نائم بداخلها!
(هذه المقالة كان يفترض بها النشر ضمن عمود علبة المسامير في جريدة الزمن، ولكن جاءت الأوامر بعدم الحديث عن شيء يسمى هلالا، فتحسفت على اسمي!! سامحهم الله)

الثلاثاء، 9 ديسمبر 2008

ماذا تَذكرَ قبل الانتحار؟!



أما بعد،
فسلاما يا دمدم سلاما، ها أنت تضع رجلك فوق حد حافة مبنى مسرح الشباب الآيل للسقوط، لأن بعضهم لم يكن صادقا في نيته عندما قرر بناء ذلك المسرح، ولأن المسرح، بعد كل هذا العمر، وكل هذه النهضة، وكل هذا الزمن، لا يؤسس نهضة، ولا حضارة، وما هو إلا ترف زائد عن الحاجة، وإلا فلماذا لجنة لتطوير الدراما والمسرح في بلادنا، لولا تلك النظرة الضيقة للفن والفنون، للمسرح والدراما، للثقافة مجملا؟ ها أنت تقرر أن تلقي بنفسك إلى الأرض المنحدرة خلف مبنى وزارة الشئون الرياضية التي يقال بأنها تطورت وباتت أفضل مما كانت عليه قبل عشر سنوات، والدليل أن منتخبنا الوطني يفوز بالمركز الثاني لمرتين متتاليتين في كأس الخليج، والكل يهتف باسمه ويقسم بأنه كان صاحب الأحقية! وذلك كله برغم اختفاء منتخبات كالشباب والناشئين الذين في يوم من الأيام دوخوا العالم بفنونهم الكروية، وحققوا ما لم يحققه شعراء الرمل في بلادنا ولا قاصيها أو روائييها!! ها أنت تتذكر غلام خميس والمجد الذي حققه، والسنوات التي قضاها يحلم بمنجز للوطن ولو على صعيد الرياضة وكرة القدم! وأنا بصراحة لا أعرف غلام خميس الذي كتب عنه عبد الله حبيب وأخوه مازن، وحميد البلوشي وسالم الغيلاني وأسماء أخرى لا أعرفها مقدار معرفتي بك! لأنني إنسان لا يبالي بالرياضية، والفرح الذي يصيبني عندما تقام مباراة للمنتخب ليس لأنني أشجع المنتخب، بل لأن شوارع مسقط أو بالأحرى شارعها الوحيد سيكون فارغا تقريبا من السيارات مما يعني عودة الزمن الجميل لأوصال مسقط، ويعني أن أخرج وأشم الهواء الساكن غير المزدحم بالعوادم، وأدخل المجمعات التجارية، وأذهب إلى الشواطئ فلا أجد ذلك الازدحام الكثيف الذي تحياه مدينة كمسقط الآن ودوما بعدما بات لكل أسرة أربع سيارات كأقل فرض! ذلك أن الزوج يعمل والزوجة، والأخت والأخ والأب وربما أيضا الأم! هذا إذا لم يكن للأسرة سائق أيضا..
ها أنت الآن تبتلع غصصك الكثيرة، وتقول: إلى متى ونحن في ذيل القائمة من الاهتمامات والأولويات؟ متى يدرك هؤلاء الفنانون والمثقفون قبل أن يدرك صناع القرار الثقافي أدوارهم في الحياة الحضارية لبلد يمتد لأربعة آلاف عام؟ بالأخص هؤلاء الذين يقولون بأنهم مسرحيون وأصحاب فن، وهم لا يعرفون الطين من العجين؟ كنت لحظتها تتذكر فشل مشروعك السينمائي لأن البلاد ليس فيها مسرح فكيف يكون هناك فن سينما؟ البلاد لا تمتلك أي مؤشر يؤشر إلى أن المستقبل سيكون مشرقا، والذين كان يفترض بهم أن يكونوا أساس الغد، والغد جاء وهم لم يقوموا إلا بما يعنيهم من منجز خاص يصعدون من خلاله سلمة جديدة في الوظيفة أو الأعطيات!
تقول الآن: ماذا تفيد حياة فنان حقيقي في بلاد مسرحها الوحيد انهار، ومسماه اختفى بعد انتقاله من مؤسسة إلى أخرى؟ وللأسف الشديد كانت المؤسسة الجديدة لا تبالي بالتطوير بل كان هاجسها أن تجعل كل مشروعا تراثا خالصا وذكريات مرة لأصحابها! وحتى مشروعها الذي بدأته قبل أعوام أربعة توقف، ذلك أن لا مبنى مسرحي موجود قادر على احتضان الفكرة مجددا، رغم أنها فكرة يمكنها أن تحرك قاع البحيرة الراكدة وليس وجهها فقط! وقد قيل في هذا الشأن بأن هناك ما يشبه المشروع، مشروع بناء مسرح بديل لمسرحين: الأول هو الذي تقف الآن على حافة مبناه بغية إنهاء حياتك، والآخر هو الخيمة التي انهارت مع الأيام داخل المبنى التراثي الضخم، ولا أحد يدري أين ذهب المشروع؟ أو أين ذهبت الأرض؟! ولذلك ومع كل هذه المعطيات التي تراها من كل صوب تبدو لك الآن الحياة بلا معنى، وبأنه لابد لك من أن تسجل موقفا مغايرا للصمت الكلاسيكي، أو الاعتراض المعتاد، ولذا يبدو وقوفا بغية الانتحار سقوطا من مبنى مسرح الشباب بمسقط فرصة متميزة وفكرة رائدة، ستسجلها الأيام بكل تأكيد، وسيعرف العالم كله مأساة الأدب والفن والثقافة في بلاد حضارتها تمتد بامتداد العصور!
رحمك الله أينما كنت الآن!

دمدم ينتج فيلما سينمائيا!


أما بعد،،،
فدمدم المسكين بعد أن شاهد وسمع وحضر فعاليات ندوة تطوير المسرح والدراما التي عقدتها مجموعة الفرق المسرحية العمانية، والتي يحاول أعضاء كثير منها إنشاء جمعية مختصة بالمسرحيين على غرار جمعية الصحفيين وجمعية الكتاب والأدباء وجمعية السينما وجمعية حماية البيئة وجمعيات المرأة وجمعية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والجمعية الأهلية لمكافحة السرطان وهلم جرا! أقول بعد أن حضر تلك الندوة/ المشاجرة، التي أكدت على أن المسرح العماني والدراما العمانية بألف خير، وبأن اللجنة القادمة لن تجد شيئا توصي به أكثر من نشر المحبة بين الفنانين في قطاعي المسرح والدراما، بعد أن تابع كل ذلك قرر أن لا يسأل عن زيادة أجره، ورفعه إلى تصنيف أعلى، وأن يغير مهنته الحالية من منظف للأحذية وشمام لها، إلى مستثمر، حيث فكر ودبر، فلمعت في ذهنه الأفكار الجهنمية: قرر أن ينتج فيلما سينمائيا، فإذا كان المسرح يعاني والتلفزيون والإذاعة لا يعطيان مالا، فالمستقبل للسينما، وعليه ففكرة الاستثمار فيه فكرة ممتازة، خاصة أن البلاد ما تزال خالية من مثل هذه المشاريع، وبكل تأكيد ستعمل السينما على تنشيط السياحة في البلد، فهو سيستعين بمخرجين كبار مثل ردلي سكوت وأخيه، ومثل مروان حامد ورامي إمام، وسيستعين بممثلين أكابر، كجورج كلوني وبراد بيت وتيم الحسن وأحمد عز، وبالطبع هناك أيضا الممثلات الجميلات اللائي إن جئن سيجعلن كل فندق ينزلن فيه مشغلا مائة في المائة دون أن تكون هناك غرفة لأي ضيف آخر!
هذا جميل يا دمدم، ولكنك لابد أن تتطلع قبلا على التاريخ التأسيسي لفن السينما في البلاد! بالطبع يا محدثي العزيز، أنا أعرف أن هناك جمعية السينما العمانية، وهناك فيلم البوم، وهناك مهرجان مسقط السينما ومهرجان آخر للأفلام القصيرة والوثائقية، وهناك لابد أناس مختصون عارفون بالسينما! هل أنت متأكد يا دمدم؟ عندها قطب حاجبيه وقال: ماذا تقصد؟ وعندما لم يرد عليه الطيف، قرر أن يبحث أكثر، فذهب إلى خالد عبد الرحيم الزدجالي رئيس جمعية السينما منذ تأسيسها، الذي فتح له الأبواب وقال هات أعمالك سننفذها نحن! خرج بعدها مبسوطا منشرح البال، وقال هكذا يكون الدعم! لكن الطيف فجأة أطل بسحنته البغيضة وقال له: هل تعرف ما الفرق بين الفيلم السينمائي والفيلم التلفزيوني؟ فأجاب على الفور: سؤالك هذا سؤال سخيف فالجمعية بمن فيها يعرفون الفرق، هذا أمر بديهي يا صديقي الطيف، هم أصحاب ثقافة سينمائية أفضل مني بكل تأكيد! إذن عد واسأل أعضاء الجمعية الموقرين عن مفاهيمهم للسينما، وابدأ من هذا السؤال السخيف كما قلت! غضب دمدم، وقرر المضي وعدم الإنصات للطيف الغبي الذي يحاول أن يجعل كل شيء سيئا في بلادنا، أما الطيف فقد لحقه وقال له: سيقولون لك بأن الفرق هو أن الفيلم السينمائي يصور بكاميرا سينمائية والفيلم التلفزيوني يصور بكاميرا تلفزيونية، هذا يعرض في السينما وذاك يعرض في التلفزيون، وبس! وسيقولون: نحن نعرف محمد كامل القيلوبي، ونعرف أنعام محمد علي، ونعرف حاتم علي، ونعرف أسعد فضة وواحة الراهب ونعرف ستيفن سبلبرج، ونعرف الكثير، والأزمة إذا فيه أزمة ما هي إلا في الفلوس، ونحن أنتجنا فيلم البوم، وقد أشاد به الكثير من النقاد، وصح ما عرضناه غير يجي خمس مرات بس المهم إنه عندنا إنتاج، وإذا إنته جاهل بالسينما فنحن لا، نحن عندنا كل المعلومات والثقافة المطلوبة، ولا تجلس تقول إننا ما نعرف، نحن نعرف، وما عندنا مشكلة!!!! ولو نظرت في وجوههم ستجد أنهم هم ذاتهم الذين يتحدثون عن المسرح، وعن الدراما. طيب ما المشكلة يا عزيزي الطيف؟ ليست هناك أي مشكلة، وسترى أن الجمعية هي الوحيدة المستتبة التي لم تثر حولها مشاكل منذ تأسيسها، وهذا يدل على أن الجمعية بأفرادها يعملون بصمت! بالطبع يعملون بصمت ولا أحد سيفكر أن يجعل لهذه الجمعية نشاطا، أو انتخابات، وترشيحات، وتأكد يا دمدم أن الأعضاء الموجودين في الجمعية لم يزد فيهم أحد منذ إعلان التأسيس إلا فيما ندر ومن أفراد معينين! أوووف أنت طيف مزعج وأنا أريد أن أنتج فيلما، فاتركني بسلام! ثم غادره الطيف ومضى!!

ستة وثلاثون!



أما بعد،،،
ففي لقاء جمعني بدمدم مؤخرا (وهو الشخصية الرئيسة في مسرحية دمدم التي كتبها للمسرح الممثل والكاتب مالك المسلماني والذي أدى الشخصية على الخشبة في عرضها الأول والأخير إذ بعدها أصدرت وزارة التراث والثقافة أمرا بإيقافها وعدم التفكير من قبل أصحابها في العودة مجددا بعرضها داخليا أو خارجيا لأن بها بعض التصريح والإيحاء لمسائل تهم البلد، فمثلا رقابة الوزارة مدفوعة برقابة أخرى تساءلت عن معنى خربانة هل القصد بها أن البلد خربانة ككل؟ وتساءلت عن معنى المفتاح والخزنة ولماذا هذا التوقيت للعرض ولمثل هذه الإشارات؟ وبالطبع استجابت الفرق الثلاث التي تجمعت لأول مرة من أجل إيجاد فرجة حقيقية وتقبلت الأمر والمنع وبدأ القائمون عليها يفكرون بإنتاج عروض أخرى وفي قلوبهم غصص هائلة)
كان دمدم يبكي ويردد بألم وحرقة: ستة وثلاثون!! فقط ستة وثلاثون!! وبالطبع لم أفهم ما يعني لذا جلست جواره وسألته: ماذا تقصد؟ فنظر إلي وحزن الدنيا كلها يفيض من عينيه ثم قال: ألوم مالكا أنه اخترع شخصيتي، فلولاه لما رأيت كل ما رأيت من أسى وحرمان! هل تصدق أنهم أعطوني ستة وثلاثين ريالا فقط، وقد ظننت أن أجري أكثر من ذلك بل إني قلت لصاحب المالية: ربما تقصد ثلاثمائة وستون ريالا وليس ستة وثلاثون فرد علي بأنها كما عدها: ستة وثلاثون لا أكثر ولا أقل!! ضحكت وقلت بأنها لا تكفي بنزين السيارة التي أقودها وهي بالمناسبة سيارة قديمة جدا وتستهلك كل راتبي، وهو راتب زهيد إذ أني أعمل في تلميع الأحذية وتربية القطط! ولا تستغرب لماذا لم أعمل ممثلا، فالفن ما يوكل عيش في بلادنا، ولذا قررت أن أذهب إلى الندوة التي أقامتها الفرق المسرحية العمانية الأهلية التي يصل عددها سبعة عشر فرقة لا أدري أين هي، وقد علمت عنها عن طريق هلال الهلالي وطالب محمد وخالد عبد الرحيم عندما كنت بالإذاعة والتلفزيون فقد كانوا يعدون أوراق عمل لهذه الندوة، ودعوني لأن أحضر، فقلت في نفسي: هذه فرصتك يا دمدم لكي تشتكي الأجور السيئة التي تعطى إياها وتصنيفك المجحف والذي وضعت من خلاله في الدرجة "سي" مع أنك تعلم يا صديقي بأني خريج جامعي ولدي شهادة حتى لو عملت في تنظيف الأحذية وتربية القطط، فكما تعلم لم تعد المشكلة مشكلة خريجي الثانوية أو الشهادة العامة كما يسمونها اليوم فحتى مخرجات البكالوريوس وربما الماجستير لا يجدون عملا لأن الدرجات المالية غير متوفرة ولا قانون واضح بالنسبة للتقاعد حتى الآن! المهم قررت أن أذهب للندوة التي استمرت ليومين، وهناك رأيت العجب العجاب يا صديقي! رأيت ورقة تقول بأن هناك مشاكل للفرق ولا تقول في الوقت ذاته، فصاحب الورقة، وهو بالمناسبة محاضر في الجامعة، لم يقل شيئا واضحا بل مجرد جمل عامة يمكن أن يقولها أي واحد من الحاضرين حتى أنا، ثم اكتشفت أنه ليس عضوا بأي فرقة من الفرق التي يتحدث عن مشاكلها وليس لديه نتاج مسرحي واضح! قلت لا مشكلة ربما الورقة الثانية تطرح المشاكل، وقد طرحت مشكلة مهمة وهي أن المتحدثة لا تعي الفرق بين النص المسرحي الأدبي وبين العرض المسرحي، وتطالب الكتاب بأن يدخلوا الأساطير والحرف التقليدية والموروثات في نصوصهم كي تكون نصوصا مسرحية أو إدخال شاشات عرض في صلب نصوصهم، كي نتخطى أزمة النص المسرحي والدرامي، وعرفت لاحقا أنها لم تكتب أي نص مسرحي وبأنها تحفظ مجموعة من البراويز والأطر التي تكيف كل فعالية مسرحية لتتلاءم معها
تحسرت ثم قلت ربما الأوراق الأخرى كانت بأفضل، لكنها جاءت لتقول بأن الأمور كلها بخير، وبأنني لم أظلم عندما أعطيت ستة وثلاثين ريالا أجر الحلقات العشر التي أديتها، حتى المشاجرات التي نبتت بعد الأوراق والاتهامات المتبادلة لم تقل لي إلا بأنه من الجيد أنني أخذت الستة والثلاثين ريالا، لذا خرجت وفي حلقي يتحشرج السؤال: من الذي هو سبب تأخرنا في المسرح والدراما؟ هل هي وحدها لائحة الأجور وميزانيات الأعمال والرقابة؟ أم هم هؤلاء الذين يقولون بأنهم مسرحيون وفنانون وهم لا يمتلكون أبجديات الحوار الخلاق؟! تساءلت بعدما مضى دمدم: ماذا يمكنني أن أفعل بستة وثلاثين ريالا كان وضعها في يدي قبل أن يمضي؟!