الاثنين، 27 أبريل 2009

دبي والروح


دبي لم تعد واحدة منا


دبي باتت تمثل نمطا مختلفا في المنطقة، والكل ينظر إليها بترقب بعد الأزمة..


في المشاوير الأخيرة تشعر فعلا أنها بدأت مرحلة توديع حياتها الصاخبة المزدحمة، فالإشاعات والكلام كثير حول هرب الأجانب منها إلى مدنهم الأصلية.


لكن بعيدا عن كل ذلك تظل دبي مدينة ناتئة في خصر الخليج، فهي تبرأت من كل ما يمت لها بصلة بالعالم السابق، واشترت لنفسها مكانة بين مدن العالم الحديثة، وكأن أصحابها آل مكتوم يريدون أن يواصلوا مشروع محمد علي في مصر الذي أراد لمصر أن تكون قطعة من أوروبا وأكمله أبناؤه من بعده، حتى وقعت مصر كاملة في الفخ، فخ الاحتلال والديون..


دبي اليوم مديونة بشكل يفوق ميزانيات بلدان بأكملها، وبرغم ذلك فالحياة تستمر، والمشاريع تتواصل، حتى وإن تقلصت وتوقفت فليس من الجرأة في شيء ولا من البطولة والقوة أن تتمظهر المدينة بأنها لا تعاني أزمة، والعالم كله من حولها ينهار جراء الرهن العقاري وأزمة المال والسوق الراكدة..

دبي أيضا تعاني لأنها ميناء حر، ولأنها اعتمدت بشكل هائل على فلسفة الرهن العقاري، فأغلب مشاريع الإمارة الصغيرة تنطلق من العقارات وبالتحديد تلك المشاريع الغريبة كزراعة البحر والجو!!

ولأنها كذلك توقفت بعض تلك المشاريع حتى البرج الكبير تم إيقافه مؤقتا حتى يتم تأمين السيولة المالية الكافية والتي تضاعفت في فترة الغلاء إلى أرقام لا تصدق!

والكلام كثير عن مشاريع استراتيجية كطيران الإمارات الذي يعد الأول في العالم، وشركة إعمار وبرج العرب من أن آخرين قد أصبحت لهم أذرعة واصلة فيها (هذا ما نفاه محمد بن راشد آل مكتوم، صاحب الرؤية التي أوصلت دبي إلى ما أوصلتها إليه)

غير إنه كلام، لا نعلم مدى مصداقيته ومدى الكذب فيه..

يظل أن دبي اختلفت ولم تعد كالبقية، حتى لو غرقت في الديون، وانسلخت تماما عن جلد المدن المجاورة لها، وهذه هي ميزتها التي قد تجذبني إليها.. في الحقيقة أنا لا أحب مدنا بشكل دبي، برغم أنني سأرتادها، مدني المفضلة على شاكلة مسقط لو استطاعت أن تعود إلى هدوئها، وتلغي الزحام المستشري في جسدها جراء وجود شارع وحيد فقط، مدن بمقاس بيروت التي تشم فيها رائحة تنطلق من ماض جميل، وعبق الجمال يحف بك لتصل إلى سماء ليست كبقية السموات، مدن كالقاهرة، أو برلين!

أما دبي فهي نمط السرعة، مدن هشة بلا روح، تمشي فيها سريعا فقط لكي تؤكد لنفسك أنك تعيش الحاضر والمستقبل، وبأنك لا تفقد شيئا من الشكل الحديث للحياة، لا أكثر ولا أقل! والجميل أن تزورها مع رفقتك للضحك وليس للاستجمام، فالاستجمام ليس في الناطحات الطويلة ولا في المجمعات الضخمة أو في الشوارع الساخنة المزدحمة، هكذا يمكن لك أن تمضي وقتا جيدا في مدينة كهذه...





من الفأر إلى رصيف جائع: لم أجد بيتي بعد!


عندما نمت على الرصيف أول مرة أدركت أنها لن تكون المرة الأخيرة، وعندما انتظرنا أنا وصديق لي أن يفرغ صديق ثالث من مهمة عاطفية ذات زمن غابر، فظللنا نجوب شوارع مدينة لا نعرف كيف تفكر، وليست معدة على قياسنا نحن المشردين الاثنين! ثم بعدما تعبنا وكاد اليأس يأكل صبرنا كله وجدنا دربنا الذي يوصلنا إلى شقة صديقنا الذي أغلق هاتفه مواصلا مهمته العاطفية، فذهبنا إلى أحد أصدقاء صديق صديقنا نقضي ما تبقى من الليل الغريب!
وكنا مسافرين، في بلاد ليست لنا، وضيفان على أحد أصدقاء صديق صديقنا لا يعرفنا عليه أن يتحمل ظلنا الثقيل ويحترم نفسه قليلا.. لكنه لم يكن كذلك، وفضل أن يكون شبابيا، ويجعلنا نجرب طعم الرصيف بطريقة أقل ابتذالا هذه المرة، كان رصيف السرير: أرضية باردة، وعلينا أن نفرشها بأردية المتسولين ذات الرائحة النفاذة، العطنة!
وأيضا كنت أشعر أنها لن تكون الأخيرة التي قد أنام فيها فوق رصيف بارد!
لكن ذلك لم يكن مهما فالوطن ليس علبة كبريت، ولا رصيفا عابرا، ولكنه الأصدقاء بروحهم العالية، وقلوبهم الدافئة، ومهامهم العاطفية المهمة في اللحظة الحاسمة، وسأحور العبارة التي كان صديق لي دائما يرددها، لأنه من الصعب أن تكتب هنا: الشباب ومن بعدهم الشباب، لكن إن جاءت "مليحة" فليذهب الشباب إلى (.....)!
هكذا كانوا بيتا كبيرا يملأ القلب بالحياة، ولذا لم يكن سيئا أن تلمنا شقة صغيرة، نجعل من مطبخها صالة لإعداد الطعام، ولمتابعة مباريات الريال والبرشة، أو قناة الأفلام، ولم يكن غريبا أن تتقافز الفئران في المساءات الصاخبة باحثة عن بقايا طعام لم يكن ليتوفر في هكذا شقق للعازبين، وعليها أن تعض أصابع قدم أحدهم خلسة علها تجد بقايا لقطعة سكر أو فتافيت خبزة عفنة!
ولم يكن مهما أن لا يجد الواحد منا ملابسه نظيفة في صباح اليوم التالي، أو يجدها قد تناسبت جسد أحدهم، لأنه لم يجد ما يلبس!
وليس مهما أيضا أن تعود من عملك، فتجد سريرك مشغولا، أو تجد الباب مشرعا لأناس لم ترهم مطلقا، وقد تكون تلك المرة الأولى والأخيرة التي يدخلون فيها إلى عشك المتواضع!
ذلك كله لم يكن ذا بال، لأن البيت ليس شقة ضيقة بجدران باهتة الألوان، وأبواب مشرعة للغرباء والضائعين، وأحلام قد تتلقفها عند درجات البناية ضائعة ومتكسرة.. البيت نكتة قالها أحدهم ونحن نتابع قناة من قنوات التلفاز مشفرة أو غير مشفرة، ليلية أو نهارية، رياضية أو درامية، فنضحك فيها على النساء العرايا، والأبطال المتساقطين برصاص أعدائهم، واللاعبين الذين أوقفهم الحكام عن اللعب وفوتوا علينا متعة أن نراهم يسجلون أهداف النصر
وبرغم الشقق المزراب التي كانت لنا خباء للمحرومين، كان بيتنا كبيرا، لأنه كان أحلامهم الجميلة، وطموحاتهم التي كانوا يرصفونها طموحا فوق طموح، كان ذلك التشارك البديع الذي فتتته طموحات الحياة الاعتيادية!
وعندما جاء الوقت ليكون لي بيتا آخر غير الأصدقاء، كان الحب هو البيت العظيم الذي ما إن يدخله كائن حتى يشعر أن العالم كله لا يسعه، وبأن الدنيا بأكملها لم تفصل إلا على مقاسه وحده، وعلى الآخرين أن ينزاحوا إلى الزوايا الضيقة التي صممت لهم، حيث يفرغون أحمال حياتهم البائسة، فهذا المدى كان لي، لي وحدي فقط، لا أرى فيه سواي محلقا في فضاءات القمر، ككائن فقد الجاذبية، وبات نجما يدور حول الضوء الجميل!
وبات البيت شيئا آخر، كبر، وامتد ليصبح كائنا بحد ذاته قد ينام معك على الرصيف ذات يوم، وبالمناسبة: النوم على الأرصفة ليس سيئا إلى ذلك الحد الذي قد يتخيله البعض، فهو يمنحك القوة على تقبل الأرض، إذا ما رفضتك السماء والأقمار! واليوم: ذاك الرصيف ما زال في ذاكرتي تضحكني لحظته الجميلة، وأنتشي بالذكريات التي خلفتها رحلة زيارة صديق بعيد كان يقضي وقته في مهمة عاطفية، فدلفنا إلى مدينة ليست لنا وتهنا حتى آخر الليل وهاتف الصديق مغلقا، ونحن نبحث عن البيت، فهل وجدناه بيتنا الذي غاب في السنوات والذاكرة؟!

الثلاثاء، 10 مارس 2009

العراف الذي كان لا يعرف!

النص مليء بالإسقاطات المباشرة والدلالات الواضحة والتهكم الصريح على الواقع المعاش
النص يخلط بين عدة أمور ويعمد إلى تعمية المكان والزمان بالنسبة للأحداث
فهو من ناحية يتحدث عن زمن تتحكم فيه آلهة عدة في إسقاطة مباشرة على تحكم مراكز قوى معاصرة بمقدرات الشعوب فيصبح هؤلاء الآلهة موضع سخرية الكاتب
ولكن الكاتب في مواقع أخرى عديدة يورد إشارات لغوية ووصفية وحدثية مباشرة تشير إلى المجتمع العماني مما يوقع اللبس والإساءة إلى عقائد المجتمع وعاداته!!!
ما سبق كان سبب عدم إجازة نص العراف الذي كتبه الصديق مالك المسلماني ليقدم في احتفالية ينظمها مجموعة شباب يحبون المسرح بمناسبة يوم المسرح العالمي بعيدا عن دعم المؤسسة الرسمية التي كان عليها أن تهتم بمثل هذا اليوم وتحتفل به كما كل دول العلم حتى أنجولا تحتفل به!
لقد منع النص وأجهض حلم العرض، لأنهم لا يريدون كما قالوا عرضا به إسقاطات على الواقع المعاش، وعليك يا صديقي مالك أن تكتب عن أزمة المواطن الأرجنتيني عندما لا يستطيع متابة مباراة كرة قدم بين منتخب بلاده ومنتخب البرازيل!
لا يريدون أن يكون هناك فن قادر على أن يستلهم مشاكل الأمة ويحاول طرحها بطريقة إبداعية دون إسفاف ودون إخلال، ولكنهم يريدون نصا مسطحا بلا قضية ولا هم، ولا وجع رأس!!
ويبدو أن قرصة مسؤول كبير تابع عرض دمدم لا علاقة له بالإبداع جعل مسؤولي الرقابة يترصدون بأي عمل قد يكتبه وينتجه هؤلاء الشباب، وما داموا قنعوا بمنع دمدم فإنهم لا محالة سيقنعون بمنع العراف من جذوره
وبعض هؤلاء الذين في الرقابة هم أعضاء لجنة تطوير المسرح والدراما التي أمر بها سلطان البلاد، والذي كما أتذكره كلما دخلت قاعة المؤتمرات بجامعة السلطان قابوس، بيت العلم والثقافة والمعرفة، حرضنا جميعا بمقولة ستظل خالدة ما بقينا أحياء، قال يومها: لا لمصادرة الفكر، مشيرا إلى أن هذه المصادرة هي من أكبر الكبائر التي يمكن أن تحدث
ويحدث الآن أن يأتي أناس يظنون أنهم يحمون المجتمع من الفساد، فيصادرون الفكر ويمنعون الناس من طرح رؤاهم وطرح إشكاليات مجتمعهم دون أن يثيروا فتنا ولا أن يحرضوا الناس على شيء إلا على إصلاح أمورهم الخاصة وتعرية مشاكلهم أمامهم بكل جلاء
وهكذا تحتفل مؤسساتنا الرسمية المعنية بالثقافة بيوم المسرح، هكذا تقيم له المهرجانات والمحاضرات وورش العمل وتهيؤ مبدعين ينافسون أقرانهم في بلاد العرب، هكذا تدعم الجهة المعنية الفن والإبداع، وتعمل على أن يكون المبدع العماني في أول أولوياتها...

الأحد، 1 فبراير 2009

ما حدث تلك الليلة


هل يستحق العمانيون أن يمارسوا حق الانتخاب والديموقراطية بشكلها المتعارف عليه عبر العالم كله؟

أطرح هذا السؤال بعد مساء حافل مع أسرة كتاب القصة التي يفترض ضمنيا أن أكون واحدا من أعضائها لا لكوني قاصا، بل أيضا لأني مهتم بالقصة والسرد

في ذلك المساء الذي تم انتخاب إدارة جديدة فيه، تتمثل في كل من عبد العزيز الفارسي وهدى الجهوري ونبهان الحنشي، حدث امتحان بسيط للساردين، المثقفين، النخبويين، الذين يقول بعضهم سرا وعلانية بأننا في حاجة إلى ممارسة الحياة السياسية ممثلة في أقل أبعادها: الانتخاب والترشح والترشيح

يفترض في النخب المثقفة أنها المثال الذي ينبغي أن يحتذى، القدوة التي يراها الناس العاديون بأنها قادرة على التعبير عن هواجسهم الكبيرة والصغيرة، هذه النخب هي من يفترض بها أن تنشر مبادئ الديمقراطية ولو ممثلة في أقل شؤونها التي قد لا تعني كل المجتمع (أسرة كتاب القصة لا تعني الجميع، إنما تعني صفوة معينة من المجتمع قد لا تزيد عن مائة شخص، والنادي الثقافي برمته نادٍ انتقائي كونه "ثقافيا" بمعنى آخر هو ناد للمثقفين، ناد للصفوة، حتى وإن ارتاده كل المجتمع، ولكنه يظل "ثقافيا" يديره كما يفترض أناس لهم علاقة ودراية مباشرة بالثقافة والمثقفين وبشؤونهم ويقدم من خلاله لكل المجتمع نتاج هذا المثقف، وهذه النخبة الصفوة)

وكتاب القصة بأسرتهم هم جزء لا يتجزأ من هذه النخب، من هذا الجسد الثقافي المتعدد، وربما وبدون منازع تتبدى أسرة القصة والقاصون على أنهم الأنشط فعلا، والأكثر نتاجا بما يصدرهم في واجهة المشهد الثقافي في عُمان.

فإذا ما قلنا بأن هذا القاص/ المثقف/ النخبوي يمارس فعلا ثقافيا يسرب للمجتمع ـ عبر سنوات وسنوات ـ قيمة العمل التطوعي وأهميته، فإننا سنردف بالقول بأن هذا هو الأمر الجميل!

لكن أن ينسف كل ذلك الجهد، وأن يضيع تلك الصورة الاستشرافية للغد، فهذا يعني أن كل جهده بلا قيمة!!

لقد كان مساء جميلا: أن يتجمع عدد من القاصين لانتخاب إدارة تمثلهم، إدارة تعمل على وضع القصة والسرد محل الاهتمام، ونشرها في المجتمع، والتعريف بأسماء الكتاب والناشطين فيها، وهي تجربة لا يمارسها إلا النزر اليسير، فعلى الأقل هنا لن تجد القبلية، ولن تجد المذهب، أو ما قد يصل إلى شراء الأصوات بإقامة الحفلات ودفع بضع ريالات كما يحدث في مجلس الشورى الذي فقد بهذه الأفعال أدواره وقلص من دائرة النور التي كان يمكن لها أن تمتد وتصبح تجربة ديمقراطية حقيقية تفتح المجال لمناقشة الحكومة فيما تقوم به بشكل أوسع وأكبر من مجرد "المشورة"، بل قد يصل الأمر إلى التصويت على الميزانية في يوم، أو التصويت على مشروع الفحم مثلا.. لكن هذا لن يحدث على ما يبدو في القريب العاجل في مجلس الشورى، وللحكومة الحق كل الحق في أن تظل مقلصة أدوار هذا المجلس ما دام يمشي على وتيرته الحالية.

الوضع مختلف على نحو بعيد مع أسرة كتاب القصة ومع الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، ففعليا لا أحد يتدخل فيملي على المثقفين أسماء الإدارات، برغم أن النادي الثقافي يظل بإدارة معينة من قبل الحكومة.

وقد نجحت الجمعية في تشكيل شكل حضاري للانتخاب والترشح لم تقم به جمعيات أخرى سبقتها في الإشهار كالصحفيين والسينمائيين، ونجحت أسرة كتاب القصة، الزهرة التي تعطر أجواء النادي الثقافي وتنبع منه، في تشكيل صورة مماثلة عبر أزمنتها المتعددة، من أيام حمد رشيد مرورا بيحيى سلام وبشرى خلفان ويونس الأخزمي وسليمان المعمري في تشكيل قاعدة جيدة للديمقراطية، بكل تأكيد سيحفظها التاريخ جيدا، وسيقدمها للأجيال المقبلة على أنها نموذج مشرف قام به هؤلاء الساردون الذي لا يملكون قاعدة جماهيرية كبيرة أثناء فعالياتهم، ولا يملكون من الدعم ما يملكه الشعر مثلا أو حتى المسرح والموسيقى والغناء والفن التشكيلي (برغم أزمات كل صنف إبداعي من تلك الصنوف)

ولكن هذه الصورة أوشكت على الانكسار في ظل التصرف الذي حدث مساء السبت 30 من يناير 2009م، حيث تقدمت قائمة جيدة ومثالية وتستحق الفوز، تقدمت بطلبها مساء الخميس 28 من يناير أي قبل يوم من الحدث المنتظر، وقدمت هذه القائمة ما لديها من خطط جميلة أدرك كما يدرك كثيرون أنها مثالية نوعا ما وتبدو في بعض تفاصيلها صعبة المنال، ولكن ليس على القاصين سوى الحلم!

وفي الدقائق القليلة التي سبقت أجواء الانتخاب أعلن ثلاثة قاصون(معاوية الرواحي، وليد النبهاني، هلال البادي) عن قائمة منافسة، وكان بإدراك تام بأنها لن تنجح في إسقاط القائمة المثالية التي تم الإعلان عنها في الصحف

الصديق سليمان المعمري رأى بأنها قائمة صورية ساخرة، وبأنها لا تملك شيئا، وبأنها أخلت بالاشتراطات، والشرط الأساسي هو الجدية، فهل كان سليمان يقرأ ما في الصدور؟!

نعم بدأنا الأمر بنوع من العبث، ولكننا قررنا أن نواصل المشوار، وحتى لو فزنا فإننا سنتحمل المسئولية، فهل من حق أي أحد أن يقول لنا بأننا كنا نعبث؟!

ثم طرح الرئيس السابق، الذي أدار العملية الانتخابية الصديق سليمان المعمري، ومن بعده نائبه مازن حبيب الذي قدرنا كثيرا اختفاؤه عن ساحة الأسرة ما دامت الأسرة قادرة على العمل والنجاح بعكس إدارة الدكتور يونس الأخزمي التي كانت بعيدة عن القاصين ولم يكن لها جدول واضح، طرح الصديقان بأن هذه القائمة لم تلتزم بالموعد المحدد لتسليم أسماء من فيها وتسليم جدولها المقترح للعمل: كان الموعد المقترح هو صباح الثلاثاء، أي قبل أربعة أيام من موعد الانتخابات، وتم تسليم القائمة مساء الخميس أي بعد ليلتين بالضبط، فأي جرم ارتكبته القائمة الجديدة عندما جاءت في آخر خمس دقائق؟

هذا يعني بأن يؤجل الموعد الانتخابي حتى يعلم الناس، القاصون بالتحديد، عن القائمة الجديدة، ولكننا تخلينا عن هذا الحق، وطالبنا بأن تقام الانتخابات في وقتها، فهل في هذا أي إساءة لأحد؟

لقد كنا نريد إضفاء شرعية على الإدارة الجديدة، نريد أن يكون الجو الحاضر جوا حرا ونزيها، لأن يخير المصوت بين القائمة (1) والقائمة (1) فعليا ليس هناك من مؤشر يقول بأن هذه العملية هي عملية نزيهة، أو صادقة، بل لا يحتاج أي أحد ليصوت حتى لو قال سليمان المعمري بأنه ذلك أمر ضروري، إذ أن الأمر في حال وصوله إلى إدارة النادي فإن القائمة ذاته هي من سيكلف بالإدارة الجديدة لا قائمة أخرى.

كنت أتطلع إلى أن نكون صادقين مع أنفسنا لا أن أحابي صديقي لأنه صديقي وأرشحه للإدارة، لا أن أتحيز له، وألغي الآخر مهما كان سيئا، مهما كان مختلا وعقيما وغير قادر على الانتاج.. ولو حدث أن تم انتخاب قائمة سيئة أفليس ذلك هو اختيار الساردين والقاصين؟ أليست هذه هي الديمقراطية؟ لماذا نلغي الآخر لأننا لا نؤمن به؟ لماذا نجعله هزيلا ونصر على مصادرته؟ ألأننا نخاف أن يحطم ما بني؟ما جدوى الانتخاب إذن؟ أليس من الأفضل أن تأتي الإدارة السابقة فتقول هؤلاء من أزكيهم ونصر عليهم أن يكونوا خير خلف لنا؟

إنني أقدر تمام التقدير مخافة الصديق سليمان المعمري من سقوط الأسرة في الركود، وعليه كان يحث الشباب الجيدين أو من يرى فيهم الجودة على تشكيل قائمة بجدول عمل، وهذا ما حدث، فالقائمة التي فازت، لم تتقدم لرغبتها في الإدارة ولكن لأنها رأت من منظور الصديق سليمان المعمري المسئولية في إتمام مشوار الإدارة السابقة.

هذا جيد

لكنه غير كاف

بل إنه لا يمثل الوعي الديمقراطي المصغر الذي ينبغي أن نسير عليه، إنه صورة من صور الاقصاء لهذه الديمقراطية، لهذه الشفافية الحرة

أعود فأسأل: هل نستحق أن نتطور فيكون لنا ما للآخرين من تشكل ديمقراطي وحرية في الأداء والتعبير؟

الآن ربما علينا أن نعيد النظر في كون المثقف قادر على إدارة الأشياء والأحياء والمؤسسات، لأنه لم يستطع فعليا أن يقود نفسه، ويقدم لنظيره ما يجعل هذا النظير يقول له شكرا لك!!

الثلاثاء، 13 يناير 2009

ريال واحد لا أكثر ولا أقل



بحسب آخر تعداد أقيم لنا نحن العمانيين وصل عددنا إلى مليونيين وثلاثمائة ألف
لو أن كل واحد من هؤلاء أخرج من جيبه ريالا واحدا فقط، ريالا لا أكثر ولا أقل، ووضعه في حساب شهداء غزة وأطفالها العظام، طيور الجنة، ألن يكون بذلك ساهم وبشكل حقيقي وملموس في جعل جنة الشهيد جنة خضراء يذكرنا فيها بأنا لم ننسه؟! ألن يساهم في رسم بسمة على وجوه الأطفال؟ ألن يكون ستر أخته المسلمة العربية وساندها في فقدها المر؟
فكروا قليلا:
نحن نذهب إلى السيتي سنتر ونشرب القهوة في ستاربوكس وندفع ثلاثة ريالات وأكثر
نحن نذهب إلى ماك أو كنتاكي أو بيتزا ونشتري وجبة لأطفالنا بقيمة تزيد عن الثلاثة ريالات
نذهب كل أسبوع تقريبا إلى سيتي سينما ونتابع فيلما أمريكيا عن البطولة قيمة الدخول إليه ثلاثة ريالات
نخطط لرحلة صيفية إلى تايلند أو ماليزيا أو تركيا وندفع أكثر من ثلاثمائة ريال لتذكرة بغية الترفيه
نشتري كل أسبوع من دجاج الصفاء أو ظفار أو أرياف لقوت يومنا ونمر على مصطبة الأسماك ونطلب الهامور والكنعد والشعري والمبلغ يزيد عن عشرة ريالات
نشتري في الشتاء الجح والشمام والكمثرا والفاتورة تزيد عن الريال بكل حال من الأحوال
وبعضكم يذهب إلى محلات الصحة والمساج لتلمسه فاتنة من الفاتنات ويدفع كثيرا!!

لا أقول لكم قاطعوا
فقط أخرجوا ريالا واحدا، ريالا لا أكثر، فلا صلواتكم تجدي ولا دعاءكم.. غزة لا تحتاج للصلاة والكلام، وفلسطين لا تحتاج إلى الدموع، إنهم يحتاجون ليد تمتد بالعطاء، وريال واحد من كل واحد منا سيعني ثلاثة ملايين ريال ويزيد تكفي لشراء دواء على أقل تقدير



إذن يا أيها العمانيون
أخرجوا ريالا لن يضيركم أن تنفقوه في أجمل قضاياكم
وكفاكم دموعا
كفاكم مسيرات عمياء
كفاكم شعارات رنانة

فإذا كانت ستاربوكس وكل المحلات الأمريكية اليهودية تخصص جزءا من ربحها لقضيتهم التي يؤمنون فيها أشد الإيمان، فأنتم لستم أقل منهم
هل أنتم أقل منهم؟؟

الاثنين، 12 يناير 2009

إلى فلسطين خذوني




أي الكلمات الآن ذات نفع؟


هكذا يطن السؤال في رأسي وأنا أكتب هذه السطور..


طوال الأيام الماضية كانت الحياة تمشي كما ينبغي، لا شيء جديد، سوى حرب قاتمة لا لون لها إلا الموت، وسوى مباريات سخيفة، وإعلام أسخف سواء السياسي منه أو الرياضي المسيس الذي وضح في نبرة الكلام البذيء الذي تصدر القنوات الرياضية قبيل انطلاق البطولة التعيسة..


وعلى ذكر البطولة أجد أننا اليوم صرنا أكثر بطولة في نسج المظاهرات والمسيرات المتضامنة مع غزة وشهدائها، وبتنا نعلق على صدورنا في الأوقات العادية العلم الذي لا يمثل دولة متحققة، وفي وقت المباراة نقول: قلوبنا مع المنتخب وعيوننا تدمع لغزة!!! ونلف أنفسنا بأعلام الوطن الصغير وننسى القتلى والجوعى والمشردين من دمنا في الوطن الكبير


وقتها أسأل نفسي: هل هكذا نسند الشهداء في رحلتهم الفارقة بين الحياة والموت إلى الجنة؟ هل بجملة " عيوننا تدمع لغزة" أكون قد تضامنت مع غزة؟


ويطن سؤال أكبر، عندما انتهى المنتخب من وليمته البحرينية وفاز على أقرب أشقائه بالثنائية، فعمت البلاد مسيرات الفرح المبارك طوال الليل المهيأ للنوم: إذا كنا متضامنين مع غزة ومع الشعب العربي في غزة وفلسطين، ألا يفترض بنا أن ننضمن مسيرات ضخمة كهذه؟ ألا يفترض بنا أن نحس بالآخرين، ونجعل أفراحنا السخيفة في قلوبنا لأن أخوة لنا في مكان ما يقتلون ويذبحون ويعذبون؟


لا أجد إجابة


كنت يائسا ومحبطا ولا أريد أن أفعل شيئا سوى الانصات للحلم العربي الذي لن يقوم وللضمير العربي الذي لن يفيق على ما يبدو، وأبكي في داخلي وأحاول أن أكتب قصة ما، شيئا ما أعبر فيه عن هذا القنوط الذي اعتراني، ولا أجد


ماذا يمكن أن أكتب في لحظة فارقة كهذه؟


لقد عشت كل هذا الزمن السيء، عشت كل النكبات الحديثة وفي كل مرة يتأكد لي بأن ما مضى كان أفضل بكثير، وبأن كرامتنا هدرت في لحظة فارقة من تاريخنا التعيس هذا، ولم يعد لدمنا لزوم، وبتنا كلابا وجب التخلص منها.


تاريخ لا يذكر إلا بالخزي والعار مذ أن قررنا أن نتقاتل فيما بيننا، مذ أغسطس 1990 ومرورا بكل التواريخ السيئة: مايو 1996م، ديسيمر 1998م، سبتمبر 2000م، مارس 2003م، وليس انتهاء بهذا التاريخ القبيح


فهل عادت الكتابة مجدية؟ هل عاد الكلام نافعا؟


سأتذكر نهاية مسلسل التغريبة الفلسطينية للمبدع الجميل حاتم عالي، وهو يحلم كما أحلم الآن بأن أعود إلى تلك البندقية التي دفناها، التي دفنها الثوريون الحقيقيون للأجيال القادمة، التي خبأوها لنا من أجل لحظة فارقة، فأحملها وأعيد تعميرها بالذخيرة، وأقاتل


نعم القتال هو الحل، ولا شيء آخر


قتال باليد، بالعقل، بالعلم، بالوحدة


ولا شيء آخر


لا شيء


مطلقا


سوى طلقة بندقية




أصبح عندي الآن بندقية


إلى فلسطين خذوني


.


.


.


إلى


ف


ل


س


ط


ي


ن


خذوني