الأحد، 1 فبراير 2009

ما حدث تلك الليلة


هل يستحق العمانيون أن يمارسوا حق الانتخاب والديموقراطية بشكلها المتعارف عليه عبر العالم كله؟

أطرح هذا السؤال بعد مساء حافل مع أسرة كتاب القصة التي يفترض ضمنيا أن أكون واحدا من أعضائها لا لكوني قاصا، بل أيضا لأني مهتم بالقصة والسرد

في ذلك المساء الذي تم انتخاب إدارة جديدة فيه، تتمثل في كل من عبد العزيز الفارسي وهدى الجهوري ونبهان الحنشي، حدث امتحان بسيط للساردين، المثقفين، النخبويين، الذين يقول بعضهم سرا وعلانية بأننا في حاجة إلى ممارسة الحياة السياسية ممثلة في أقل أبعادها: الانتخاب والترشح والترشيح

يفترض في النخب المثقفة أنها المثال الذي ينبغي أن يحتذى، القدوة التي يراها الناس العاديون بأنها قادرة على التعبير عن هواجسهم الكبيرة والصغيرة، هذه النخب هي من يفترض بها أن تنشر مبادئ الديمقراطية ولو ممثلة في أقل شؤونها التي قد لا تعني كل المجتمع (أسرة كتاب القصة لا تعني الجميع، إنما تعني صفوة معينة من المجتمع قد لا تزيد عن مائة شخص، والنادي الثقافي برمته نادٍ انتقائي كونه "ثقافيا" بمعنى آخر هو ناد للمثقفين، ناد للصفوة، حتى وإن ارتاده كل المجتمع، ولكنه يظل "ثقافيا" يديره كما يفترض أناس لهم علاقة ودراية مباشرة بالثقافة والمثقفين وبشؤونهم ويقدم من خلاله لكل المجتمع نتاج هذا المثقف، وهذه النخبة الصفوة)

وكتاب القصة بأسرتهم هم جزء لا يتجزأ من هذه النخب، من هذا الجسد الثقافي المتعدد، وربما وبدون منازع تتبدى أسرة القصة والقاصون على أنهم الأنشط فعلا، والأكثر نتاجا بما يصدرهم في واجهة المشهد الثقافي في عُمان.

فإذا ما قلنا بأن هذا القاص/ المثقف/ النخبوي يمارس فعلا ثقافيا يسرب للمجتمع ـ عبر سنوات وسنوات ـ قيمة العمل التطوعي وأهميته، فإننا سنردف بالقول بأن هذا هو الأمر الجميل!

لكن أن ينسف كل ذلك الجهد، وأن يضيع تلك الصورة الاستشرافية للغد، فهذا يعني أن كل جهده بلا قيمة!!

لقد كان مساء جميلا: أن يتجمع عدد من القاصين لانتخاب إدارة تمثلهم، إدارة تعمل على وضع القصة والسرد محل الاهتمام، ونشرها في المجتمع، والتعريف بأسماء الكتاب والناشطين فيها، وهي تجربة لا يمارسها إلا النزر اليسير، فعلى الأقل هنا لن تجد القبلية، ولن تجد المذهب، أو ما قد يصل إلى شراء الأصوات بإقامة الحفلات ودفع بضع ريالات كما يحدث في مجلس الشورى الذي فقد بهذه الأفعال أدواره وقلص من دائرة النور التي كان يمكن لها أن تمتد وتصبح تجربة ديمقراطية حقيقية تفتح المجال لمناقشة الحكومة فيما تقوم به بشكل أوسع وأكبر من مجرد "المشورة"، بل قد يصل الأمر إلى التصويت على الميزانية في يوم، أو التصويت على مشروع الفحم مثلا.. لكن هذا لن يحدث على ما يبدو في القريب العاجل في مجلس الشورى، وللحكومة الحق كل الحق في أن تظل مقلصة أدوار هذا المجلس ما دام يمشي على وتيرته الحالية.

الوضع مختلف على نحو بعيد مع أسرة كتاب القصة ومع الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، ففعليا لا أحد يتدخل فيملي على المثقفين أسماء الإدارات، برغم أن النادي الثقافي يظل بإدارة معينة من قبل الحكومة.

وقد نجحت الجمعية في تشكيل شكل حضاري للانتخاب والترشح لم تقم به جمعيات أخرى سبقتها في الإشهار كالصحفيين والسينمائيين، ونجحت أسرة كتاب القصة، الزهرة التي تعطر أجواء النادي الثقافي وتنبع منه، في تشكيل صورة مماثلة عبر أزمنتها المتعددة، من أيام حمد رشيد مرورا بيحيى سلام وبشرى خلفان ويونس الأخزمي وسليمان المعمري في تشكيل قاعدة جيدة للديمقراطية، بكل تأكيد سيحفظها التاريخ جيدا، وسيقدمها للأجيال المقبلة على أنها نموذج مشرف قام به هؤلاء الساردون الذي لا يملكون قاعدة جماهيرية كبيرة أثناء فعالياتهم، ولا يملكون من الدعم ما يملكه الشعر مثلا أو حتى المسرح والموسيقى والغناء والفن التشكيلي (برغم أزمات كل صنف إبداعي من تلك الصنوف)

ولكن هذه الصورة أوشكت على الانكسار في ظل التصرف الذي حدث مساء السبت 30 من يناير 2009م، حيث تقدمت قائمة جيدة ومثالية وتستحق الفوز، تقدمت بطلبها مساء الخميس 28 من يناير أي قبل يوم من الحدث المنتظر، وقدمت هذه القائمة ما لديها من خطط جميلة أدرك كما يدرك كثيرون أنها مثالية نوعا ما وتبدو في بعض تفاصيلها صعبة المنال، ولكن ليس على القاصين سوى الحلم!

وفي الدقائق القليلة التي سبقت أجواء الانتخاب أعلن ثلاثة قاصون(معاوية الرواحي، وليد النبهاني، هلال البادي) عن قائمة منافسة، وكان بإدراك تام بأنها لن تنجح في إسقاط القائمة المثالية التي تم الإعلان عنها في الصحف

الصديق سليمان المعمري رأى بأنها قائمة صورية ساخرة، وبأنها لا تملك شيئا، وبأنها أخلت بالاشتراطات، والشرط الأساسي هو الجدية، فهل كان سليمان يقرأ ما في الصدور؟!

نعم بدأنا الأمر بنوع من العبث، ولكننا قررنا أن نواصل المشوار، وحتى لو فزنا فإننا سنتحمل المسئولية، فهل من حق أي أحد أن يقول لنا بأننا كنا نعبث؟!

ثم طرح الرئيس السابق، الذي أدار العملية الانتخابية الصديق سليمان المعمري، ومن بعده نائبه مازن حبيب الذي قدرنا كثيرا اختفاؤه عن ساحة الأسرة ما دامت الأسرة قادرة على العمل والنجاح بعكس إدارة الدكتور يونس الأخزمي التي كانت بعيدة عن القاصين ولم يكن لها جدول واضح، طرح الصديقان بأن هذه القائمة لم تلتزم بالموعد المحدد لتسليم أسماء من فيها وتسليم جدولها المقترح للعمل: كان الموعد المقترح هو صباح الثلاثاء، أي قبل أربعة أيام من موعد الانتخابات، وتم تسليم القائمة مساء الخميس أي بعد ليلتين بالضبط، فأي جرم ارتكبته القائمة الجديدة عندما جاءت في آخر خمس دقائق؟

هذا يعني بأن يؤجل الموعد الانتخابي حتى يعلم الناس، القاصون بالتحديد، عن القائمة الجديدة، ولكننا تخلينا عن هذا الحق، وطالبنا بأن تقام الانتخابات في وقتها، فهل في هذا أي إساءة لأحد؟

لقد كنا نريد إضفاء شرعية على الإدارة الجديدة، نريد أن يكون الجو الحاضر جوا حرا ونزيها، لأن يخير المصوت بين القائمة (1) والقائمة (1) فعليا ليس هناك من مؤشر يقول بأن هذه العملية هي عملية نزيهة، أو صادقة، بل لا يحتاج أي أحد ليصوت حتى لو قال سليمان المعمري بأنه ذلك أمر ضروري، إذ أن الأمر في حال وصوله إلى إدارة النادي فإن القائمة ذاته هي من سيكلف بالإدارة الجديدة لا قائمة أخرى.

كنت أتطلع إلى أن نكون صادقين مع أنفسنا لا أن أحابي صديقي لأنه صديقي وأرشحه للإدارة، لا أن أتحيز له، وألغي الآخر مهما كان سيئا، مهما كان مختلا وعقيما وغير قادر على الانتاج.. ولو حدث أن تم انتخاب قائمة سيئة أفليس ذلك هو اختيار الساردين والقاصين؟ أليست هذه هي الديمقراطية؟ لماذا نلغي الآخر لأننا لا نؤمن به؟ لماذا نجعله هزيلا ونصر على مصادرته؟ ألأننا نخاف أن يحطم ما بني؟ما جدوى الانتخاب إذن؟ أليس من الأفضل أن تأتي الإدارة السابقة فتقول هؤلاء من أزكيهم ونصر عليهم أن يكونوا خير خلف لنا؟

إنني أقدر تمام التقدير مخافة الصديق سليمان المعمري من سقوط الأسرة في الركود، وعليه كان يحث الشباب الجيدين أو من يرى فيهم الجودة على تشكيل قائمة بجدول عمل، وهذا ما حدث، فالقائمة التي فازت، لم تتقدم لرغبتها في الإدارة ولكن لأنها رأت من منظور الصديق سليمان المعمري المسئولية في إتمام مشوار الإدارة السابقة.

هذا جيد

لكنه غير كاف

بل إنه لا يمثل الوعي الديمقراطي المصغر الذي ينبغي أن نسير عليه، إنه صورة من صور الاقصاء لهذه الديمقراطية، لهذه الشفافية الحرة

أعود فأسأل: هل نستحق أن نتطور فيكون لنا ما للآخرين من تشكل ديمقراطي وحرية في الأداء والتعبير؟

الآن ربما علينا أن نعيد النظر في كون المثقف قادر على إدارة الأشياء والأحياء والمؤسسات، لأنه لم يستطع فعليا أن يقود نفسه، ويقدم لنظيره ما يجعل هذا النظير يقول له شكرا لك!!